للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة الماعون]

قال الألوسي عن سورة الماعون: (ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أطعمهم من جوع، ذم عزّ وجل هنا من لم يحض على طعام المسكين، ولما قال تعالى هناك فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته، أو لما عدد نعمه تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء، أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه).

وقال صاحب الظلال: (إن هذه السورة الصغيرة ذات الآيات السبع القصيرة تعالج حقيقة ضخمة تكاد تبدل المفهوم السائد للإيمان والكفر تبديلا كاملا. فوق ما تطلع به على النفس من حقيقة باهرة لطبيعة هذه العقيدة، وللخير الهائل العظيم المكنون فيها لهذه البشرية، وللرحمة السابغة التي أرادها الله للبشر وهو يبعث إليهم بهذه الرسالة الأخيرة ..

إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس، ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد، مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى.

كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزعة منفصلة، يؤدي منها الإنسان ما يشاء، ويدع منها ما يشاء .. إنما هو منهج متكامل، تتعاون عباداته وشعائره، وتكاليفه الفردية والاجتماعية، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها على البشر .. غاية تتطهر معها القلوب، وتصلح الحياة، ويتعاون الناس ويتكافلون في الخير والصلاح والنماء .. وتتمثل فيها رحمة الله السابغة بالعباد.

ولقد يقول الإنسان بلسانه: إنه مسلم وإنه مصدق بهذا الدين وقضاياه، وقد يصلي، وقد يؤدي شعائر أخرى غير الصلاة، ولكن حقيقة الإيمان وحقيقة التصديق بالدين تظل بعيدة عنه، ويظل بعيدا عنها، لأن لهذه الحقيقة علامات تدل على وجودها وتحققها. وما لم توجد هذه العلامات فلا إيمان ولا تصديق مهما قال اللسان، ومهما تعبد الإنسان!

إن حقيقة الإيمان حين تستقر في القلب تتحرك من فورها لكي تحقق ذاتها في عمل صالح).

<<  <  ج: ص:  >  >>