لما كانوا يسمعون من حديث البعث: ما هو بحق قالُوا بَلى وَرَبِّنا أقروا وأكدوا الإقرار باليمين حيث لا ينفعهم إقرارهم قالَ. أي: الله فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. أي: بسبب كفركم، وفي معرض إنكارهم لليوم الآخر يأتي في السياق مجموعتان، مجموعة تقرر جزاء من لم يؤمن بالآخرة، ومجموعة فيها تعزية وتسلية وتوجيه لرسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فإننا نستطيع أن نقول: إن هاتين المجموعتين استمرار للمجموعة السابقة وفي موضوعها، ولكنا سنعرضهما على أنهما المجموعة الرابعة والخامسة.
[المجموعة الرابعة]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ. أي: ببلوغ الآخرة وما يتصل بها من لقاء الله حَتَّى هذه غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم لأن خسرانهم لا غاية له إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ. أي: القيامة لأنّ مدة تأخرهم مع تأبّد ما بعدها كساعة واحدة بَغْتَةً. أي: فجأة، والبغتة: هي ورود الشئ على صاحبه من غير علمه بوقته قالُوا يا حَسْرَتَنا هذا نداء تفجّع معناه يا حسرة احضري فهذا أوانك عَلى ما فَرَّطْنا فِيها. أي: على ما قصّرنا في الحياة الدنيا أو في السّاعة، أي قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ. أي: آثامهم عَلى ظُهُورِهِمْ خصّ الظّهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور، كما عهد الكسب بالأيدي، وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ. أي: ألا بئس شيئا يحملونه، ومجئ (ألا) في هذا السياق يفيد تعظيم ما يذكر بعده
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا هذا جواب لقولهم إن هي إلا حياتنا الدنيا وتقييم لها إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ اللعب: ترك ما ينفع لما لا ينفع. واللهو: الميل عن الجدّ إلى الهزل، والمعنى: ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو، أو ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، لأنّها لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ. أي: ولدار الساعة الآخرة خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ فيه دليل على أن ما سوى أعمال المتقين لعب ولهو أَفَلا تَعْقِلُونَ. قيمة الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة؛ فتعملون للآخرة، وأ فلا تعقلون عن الله فتسمعون وتطيعون وتؤمنون وتتقون؟ وهكذا يتكامل الردّ على دعوى الكافرين أنه لا