الفقرة الأولى: تذكر ما أخذ الله- عزّ وجل- من ميثاق على بني إسرائيل، وكيف أنهم نقضوا عهدهم مع الله- عزّ وجل- وأنه أخذ عهودا ومواثيق على النّصارى فنقضوا العهد وعوقبوا، وفي هذا السياق يدعو الله- عزّ وجل- أهل الكتاب إلى الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والإسلام، ويعرض علينا نماذج من كفرهم، ودعاواهم، فالفقرة تعرض نماذج من نقض العهد، وتدعو أهل ذلك لتلافيه بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والإسلام. وصلة ذلك بمحور السورة في قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ صلة واضحة. ثم تأتي الفقرة الثانية: وهي تعرض لنا قصة امتناع بني إسرائيل عن الجهاد زمن موسى عليه السلام، وفسوقهم بذلك، وعقوبتهم على ذلك.
وذلك نموذج تفصيلي آخر على نقض العهد والفسوق بذلك، والصلة بين قوله تعالى في محور السورة من سورة البقرة: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وبين هذه الفقرة واضحة.
فهذا نموذج على الفسوق عن أمر الله بترك الفريضة. ونموذج لقطع ما أمر الله به أن يوصل من ولاء للرسل عليهم السلام وطاعتهم طاعة مطلقة.
ثم تأتي الفقرة الثالثة: وفيها نموذج على نقض عهد وقطع لما أمر الله به أن يوصل من رحم، وإفساد في الأرض بقتل النّفس التي حرّم الله إلا بالحقّ، وتعقيبا على ذلك يقرّر الله- عزّ وجل- بعض ما به تنحسم مادة الفساد في الأرض، وذلك بالقصاص وبحدّ الحرابة للمفسدين في الأرض. ثم يأتي المقطع الثالث فيبني على ذلك فيذكر الجهاد، ويذكر حدّ السرقة، وكلّ ذلك لقطع الفساد في الأرض.
فالمقطع في فقراته الثلاث يفصّل في نقض العهد، وفي قطع ما أمر الله به أن يوصل، وفي الإفساد في الأرض. ويفصّل في الفسوق عامّة. فيضرب الأمثلة، ويقرّر الأحكام التي تحسم مادة الفساد. ولعل بمجموع ما ذكرناه أضحت الصلة بمحور السورة من سورة البقرة أكثر وضوحا. والصلة بين المقطع والذي قبله متعددة الجوانب:
فالمقطع الأول أمر هذه الأمة بالوفاء بالعقود، وأمرها بالطهارة والصلاة، وذكّرها بنعمة الله عليها إذ همّ قوم أن يبسطوا إليها أيديهم فكفّ ذلك عنها.