الثانية مبينة بعض ما حرّم الله، وجاءت الفقرة الثالثة في النهي عن الصيد للمحرم، وستأتي الفقرة الرابعة وفيها تبيان ضلال أهل الجاهلية في تحريمهم بعض بهيمة الأنعام.
وهكذا نجد أن المقطع تتسلسل معانيه، وأنّها مرتبطة بالمقطع الأول من السورة مما يشعر بوحدة السورة، وارتباط أوائلها بأواخرها، فضلا عن الصّلات المتعدّدة بين كل جزء في السورة وما قبله وما بعده.
٢ - لاحظنا أن التعليل للنهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام كان لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ونلاحظ أنّ الفقرة التي نهت عن قتل الصيد للمحرم تنتهي بقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فالآيات تدلنا على طريق الفلاح الذي هو ضدّ الخسران فمن خالف خسر، وارتباط ذلك بمحور السورة بقوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لا يخفى.
٣ - إن صيد المحرم، وشرب الخمر، ولعب الميسر، واتخاذ الأنصاب والأزلام، وتحريم ما أحل الله، له صلة بنقض العهد، ولبعضه صلة بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولبعضه صلة بالإفساد في الأرض، وكل ذلك لا يخفى على المتأمل.
نقول:[عن صاحب الظلال حول قوله تعالى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ .. ]
عند قوله تعالى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ قال صاحب الظلال:
«لقد جعل الله هذه المحرمات تشمل الإنسان والطير والحيوان والحشرات بالأمن في البيت الحرام. وفي فترة الإحرام بالنسبة للمحرم حتى وهو لم يبلغ الحرم. كما جعل الأشهر الحرم الأربعة التي لا يجوز فيها القتل ولا القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثم رجب .. أقول: لقد نسخ تحريم القتل والقتال فجاز في شريعتنا القتل والقتال العادلان في الأشهر الحرم وقد ألقى الله في قلوب العرب- حتى في جاهليتهم- حرمة هذه الأشهر. فكانوا لا يروّعون فيها نفسا، ولا يطلبون فيها دما، ولا يتوقعون فيها ثأرا، حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه، فكانت مجالا آمنا للسياحة والضرب في الأرض وابتغاء الرزق .. جعلها الله كذلك لأنه أراد للكعبة- بيت الله الحرام- أن تكون مثابة أمن وسلام. تقيم الناس وتقيهم الخوف والفزع.
كذلك جعل الأشهر الحرم لتكون منطقة أمن في الزمان كالكعبة منطقة أمن في المكان.