لأن الفتنة أكبر من القتل، ومن ثم فالعمل الإسلامي المعاصر يجب أن يحدد علاقته ومواقفه من هؤلاء وأولئك، ولا بأس بعقد ميثاق وطني مع الذين لا يقاتلون ولا يظاهرون، ومع الميثاق تكون صلات ومبرات وإقناع وبيان، ولا شئ يكشف المقاتلين والمظاهرين كالانتساب إلى الأحزاب التي من أهدافها استئصال الإسلام، فمتى وجد انتساب كان العداء وحجب البر مع البيان، ومتى لم يوجد انتساب ولا تأييد كان البر والقسط، وهل يدخل في البر توظيفهم واستعمالهم وإشراكهم في مجلس شورى القطر، وإشراكهم في الوزارات والجيش؟ الذي عليه العمل خلال العصور هو هذا مع اشتراط أن يكون السلطان للمسلمين، والسيطرة لهم، ومع الأمن من جانب هؤلاء ومحاسبتهم الدقيقة، أما الآخرون فاستعمالهم من أكبر الجرائم عند الله، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:«إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداء، فأظهر الله أهل الضعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه» فكل من شارك من الكفرة في الأحزاب التي من أهدافها استبعاد الإسلام أو إقصاؤه أو محاربته أو محاربة أهله، فهؤلاء يجب إسقاط الحقوق المدنية عمن يبقى منهم حيا بعد القتال، بأن يطردوا من وظائفهم، ويحال بينهم وبين أي عمل في الدولة على كل مستوى، وتبدأ عملية تأليف قلوبهم من خلال أشياء أخرى إن اقتضى الأمر ذلك، أما المسلمون الذين يشاركون في مثل هذه الأحزاب فهؤلاء إما مرتدون، أو منافقون، إلا رجلا أمر أن ينتسب ودخل بنية صالحة، فأما المرتد فالقتل إلا إذا تاب، وأما المنافق فيعامل على ظاهره إلا إذا ظهر منه ما يدل على ارتداده فيقتل حينئذ إلا إذا تاب، وبمقدار ما تصدق التوبة وتظهر آثارها يمكن أن يعامل هؤلاء، أما أن يعطى هؤلاء إمرة على المسلمين فلا.
[كلمة في السياق]
١ - واضح في الفقرة أن السياق انصب على عدم جواز موالاة أعداء الله والإسلام، ولم يخالط الفقرة شئ ليس له علاقة بهذا الموضوع، ومن ثم فسينصب كلامنا على صلة الفقرة بمحور السورة.
٢ - قلنا إن محور السورة هو محور سورة المائدة، فلنعرض هذا المحور، ولنر صلة ما مر معنا به: