وإذ انحرفت أمة قبل رسولنا عليه الصلاة والسلام بترك الصلوات واتباع الشهوات، فإن الله كان يرسل لها رسولا جديدا يجدّد دين الله، وقد أشار الله إلى هذا المعنى في الآيتين اللاحقتين:
وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ جاء هذا الكلام في القرآن على لسان الملائكة يعني أن نزولنا في الأحاديين وقتا دون وقت ليس إلا بأمر الله فإذا كان هذا في حق محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو في حق الزمان والمكان على المدى كله كذلك، وهذا- والله أعلم- سر مجئ هاتين الآيتين في هذا السياق لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن، وما نحن فيها، فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلا بأمر الله ومشيئته، وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون، وما يحدث من الأحوال، لا تجوز عليه الغفلة والنسيان، فأنى لنا أن نتقلّب إلا إذا أذن لنا فيه؟ ومن ثم قال: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي فإن الله لم يكن لينسى شيئا، وإذا كان الشأن كذلك فإن وحيه ورسالاته وتنزيله كل ذلك في غاية الحكمة، كيف لا وهو رب السموات والأرض؟
قال تعالى: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أي لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات فاثبت على عبادته، واصبر على جحد الجحود لعبادة المعبود، واصبر على المشاق لأجل عبادة الخلاق. أي لتتمكن من الإتيان بها هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا أي شبيها ومثلا، أو هل يسمى أحد باسم الله غيره؟ لأن اسم الجلالة «الله» مخصوص بالمعبود بالحق، أي إذا صح أن لا معبود يوجه إليه العباد العبادة إلا هو، لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها. وإذ كان هو رب السموات والأرض، لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها، وإذ كان هو منزل الملائكة بالحق وبالحكمة لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها، وإذ كان الله لا ينسى ولا يغفل فلا بد من عبادته والاصطبار عليها.
[كلمة في السياق]
١ - رأينا أنّ الحكمة في إرسال الرسل إما لإرجاع الناس عن الكفر، وإما للفصل في اختلافاتهم، وإما لتجديد حيوية السير إلى الله بالعودة إلى الصلاة، وبترك الشهوات المحرمة، وقد كفر الناس قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واختلفوا اختلافات كثيرة، وتركوا الصلوات واتبعوا الشهوات، فبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأنزل معه الكتاب، فدعا إلى الإيمان، وحكم في الاختلاف، وربى الناس على إقامة الصلوات، وترك الشهوات