جلسوا جلس الآخرون. ثم سلم عليهم، ثم انصرف. قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم .. » والحديث صحيح. وهذه إحدى صور صلاة الخوف، وصورها كثيرة. ومن صورها، ما رواه أحمد، ومسلم، والنسائي عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه، وصف خلفه. فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك حتى قاموا في مقام هؤلاء. فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين ثم سلم. فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ولهم ركعة».
ثم يختتم الله هذا السياق في موضوع القتال بهذه الآية: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ أي: ولا تضعفوا، ولا تتوانوا في طلب الكفار بالقتال، والتعرض به لهم.
ثم ألزمهم الحجة بفعل ذلك بقوله: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ. أي: ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصا بكم. بل هو مشترك بينكم وبينهم، يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه، فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم! مع أنكم أجدر منهم بالصبر!؛ لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان. ومن الثواب العظيم في الآخرة.
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. عليما بما تجدونه من آلام. حكيما فيما أمركم به، ويدبر لكم من أموركم.
[كلمة في السياق]
إذا كانت سورة النساء تدور حول ماهية التقوى. فإن هذا المقطع قد بين أن التبين في القتال، والهجرة إلى دار الإسلام، والصلاة في القتال، وذكر الله في كل حال، والصبر على القتال، والاستمرار فيه. كل ذلك داخل في العبادة، والتقوى. ولنا عودة فيما بعد على السياق إن شاء الله.
[المقطع الثامن]
اعتدنا فيما مضى من سورة النساء أن تكون المقاطع مبدوءة ب (يا أيها):
يا أَيُّهَا النَّاسُ*، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا*، ولكنا في هذا المقطع نجد أن صيغة (يا أيها) تأتي في نهايته، فالمعاني في هذا المقطع تتسلسل حتى نجد في نهايته آية مبدوءة ب