رأينا أن بعضهم يعتبر أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية نزل بمناسبة الحوار مع وفد نجران، إلا أنه رأينا من يذكر أسباب نزول خاصة لبعض آيات صدر سورة آل عمران، وقلنا في تعليل ذلك: إما أن الرواية التي تذكر سبب نزول واحد لكل هذه الآيات ليست محفوظة، أو أن بعض الآيات نزلت مرتين، نزلت متفرقة ثم نزلت مجتمعة مع أخواتها في صدر سورة آل عمران. ومما ذكره الألوسي في أسباب نزول قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ما يلي:«روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن اليهود قالوا: نحن أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام، ونحن على دينهم فنزلت، وقيل: إن نصارى نجران لما غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام وجعلوه ابن الله- سبحانه- واتخذوه إلها، نزلت ردا عليهم، وإعلاما لهم بأنه من ذرية البشر، المنتقلين في الأطوار المستحيلة على الإله، وهذا وجه مناسبة الآية لما قبلها».
[كلمة أخيرة في الصلة بين أقسام السورة]
سنرى أن القسم الثالث من أقسام سورة آل عمران فيه حوار شامل مع أهل الكتاب، وقد كان ذلك بعد هذا القسم الذي وضع الأمور في مواضعها في شأن عيسى عليه السلام، وبعد القسم الأول الذي وضع الأمور في مواضعها بالنسبة للقرآن والإسلام ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته، فالأقسام الثلاثة تكمل بعضها لتكون كلها مدخلا للقسمين الأخيرين اللذين يوجهان الأمة المسلمة بشكل مباشر في شأن العلاقة مع أهل الكتاب ومع أهل الكفر.
وفي وجه المناسبة بين القسم الأول والقسم الثاني والقسم الثالث وهو القسم الذي سيأتي معنا من سورة آل عمران- يقول الألوسي:
«وقال شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- في وجه المناسبة: إنه سبحانه لما بين إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وأن اختلاف أهل الكتابين فيه؛ إنما هو للبغي والحسد، وأن الفوز برضوانه ومغفرته ورحمته منوط باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، شرع في تحقيق رسالته، وأنه من أهل بيت النبوة القديمة، فبدأ ببيان جلالة أقدار الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأتبعه ذكر مبدأ عيسى وأمه، وكيفية دعوته الناس إلى الإيمان؛