وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً أي منذرا للكافرين مبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله، وإذ تحددت مهمته أنه مبشر ومنذر، يؤمر هاهنا ثلاثة أوامر، كما يؤمر في آخر السورة أمرا رابعا.
[الأمر الأول]
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ أي من أجرة أطلبها منكم على البلاغ وهذا الإنذار، إنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى: إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا أي طريقا ومسلكا ومنهجا، يقتدي فيها بما جئت به والمعنى: لا أسألكم على التبليغ أجرا إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا. أي أجري أن تسلكوا سبيل الله بالإيمان والطاعة والصدقة والنفقة فذلك أجري لأن الله يأجرني عليه.
[الأمر الثاني]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ أي كن متوكلا في أمورك كلها على الله الذي لا يموت أبدا. أي اتخذ من لا يموت وكيلا لا يكلك إلى من يموت، يعني: ثق به واسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حي يموت. والتوكل:
الاعتماد على الله في كل أمر وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ أي اقرن بين حمده وتسبيحه، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً أي كفى الله خبيرا بذنوب عباده، يعني أنه خبير بأحوالهم، كاف في جزاء أعمالهم
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي كما أنه الحي الذي لا يموت، فهو خالق كل شئ وربه ومليكه الذي خلق كل شئ بقدرته وسلطانه ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ أي هو الرحمن فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً أي استعلم عنه من هو خبير به، عالم به، فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .. وقال النسفي:(أي فاسأل عنه رجلا عارفا برحمته، أو فاسأل رجلا عارفا يخبرك برحمته، أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته) أقول: هذا الأمر فيه إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يكن أعلم الخلق