في سورة الممتحنة رأينا أن الأصل في العلاقة بين أولياء الله وأعداء الله العداء، وتأتي بعد ذلك سورة الصف لتحدثنا عن الجهاد والقتال في سبيل الله، وهو مظهر تبلور العداء إلى عمل إيجابي، وتأتي سورة الجمعة لتقيم الحجة على اليهود الذين هم عقدة العقد في مواجهة الإسلام، فسورة الصف تفتح الطريق أمام المقارعة بالسنان، وسورة الجمعة تفتح الطريق أمام المقارعة بالبيان. وتأتي سورة المنافقون بعد ذلك لترينا نماذج لأناس لا يتحول الإيمان عندهم إلى شئ إيجابي، ضد الكفر بل العكس من ذلك هم أداة تعويق وإرباك.
...
سورة الصف تتحدث عن مظهر من مظاهر الإيمان بالله ورسوله. وسورة الجمعة تتحدث عن حكمة بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسورة المنافقون تحدثنا عن طائفة لا تظهر فيهم مظاهر الإيمان، ولا يحققون الحكمة من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
...
وسورة الصف تأمر بالجهاد، وسورة الجمعة تأمر بإقامة الجمعة، وسورة المنافقون تأمر بالذكر والإنفاق، فكل منها تؤدي دورها في بناء هذه الأمة. والسور الثلاث تفصل في مقدمة سورة البقرة، فتعطينا مزيدا من التفصيل عما هو مستكن في هذه المقدمة، أو مزيدا من التفصيلات عن الفئات الثلاث التي تحدثت عنها. وإذا كانت مجموعة سورة الحديد بلورت قضية الإيمان بالله والرسول، ومجموعة سورة الحشر بلورت قضية تميز الصف المؤمن بالله والرسول، فإن هذه المجموعة تبين ما ينبغي أن ينبثق عن الإيمان بالله وبالرسول، وتبين الحالة الردية المتردية للمنافقين الذين بدلا من أن يتحول الإيمان بالله والرسول عندهم إلى عمل فإنه يظهر بدعاوى وأكاذيب وفتن وتعويقات.