يوسّع على من يشاء، ويضيّق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو يعطي بعلم ويمنع بعلم.
كلمة في السياق:[حول بعض حكم إنزال القرآن]
نلاحظ أنّ الله عزّ وجل قد بيّن لنا في هذه الآيات بعض حكم إنزال القرآن: منها إنذار الخلق. وكذلك الحكم في كل خلاف يقع بين الناس. وعرّفنا الله عزّ وجلّ على ذاته بما يدلّل على ذلك، ويعلّل له. وقد ذكر لنا نموذجا على الاختلاف بين الخلق في قضية الكفر والإيمان، والشرك والتوحيد. وفي الآية اللاحقة يبيّن لنا أنّ ما شرعه في هذا الدين هو شرعه في رسالاته كلها.
شَرَعَ لَكُمْ أي: بيّن وأظهر لكم مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أي: شرع لكم من الدين، دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. ثمّ فسّر الشرع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي: دين الإسلام وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: ولا تختلفوا في الدين. قال ابن كثير: أي: أوصى الله تعالى- جميع الأنبياء- عليهم السلام بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف. قال النسفي: قال علي- رضي الله عنه-: لا تتفرقوا، فالجماعة رحمة، والفرقة عذاب. أقول: هذا يدلّ على أنّ هذه السورة تتحدّث عن جماعة المسلمين.
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي: عظم على المشركين وشقّ عليهم ما تدعوهم إليه، من إقامة الإسلام، والوحدة فيه وبه اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ قال النسفي: أي: يجتلب ويجمع إليه بالتوفيق والتسديد من يشاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي: من يقبل على طاعته. قال ابن كثير: أي: هو الذي يقدّر الهداية لمن يستحقها، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريقة الرشد أقول: دلّت الآية على أن صفة الإنابة تجعل صاحبها مظنة الرشد والهداية.
[كلمة في السياق]
لخّص الله- عزّ وجل- في هذه الآية مضمون شريعته في كل العصور، وهي إقامة دينه، والاجتماع على ذلك. فدين الله شريعة وجماعة. وسنرى في هذه السورة