للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ما زعموا، ولهذا قال: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أي هذه الآلهة التي استندوا إليها من دون الله لا تستطيع نصر أنفسها وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أي ولا هؤلاء الآلهة المزعومة يعانون ويوفقون من الله، وما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحور من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره؟

ثم قال تعالى: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي إن ما الكافرون فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو من الله، لا من مانع يمنعهم وما كلأهم الله وآباءهم الماضين إلا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا، وإمهالا كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم، حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وظنوا أنهم دائمون على ذلك، وهو أمل كاذب أَفَلا يَرَوْنَ أي كدليل على أن الأمر أمر الله، وأن أحدا لا يمنع منه أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ لدولة ما نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها فنقلص سلطانهم عليها، إدالة عليهم لدولة أخرى أَفَهُمُ الْغالِبُونَ الذين يغلبون جند الله ورسله؟ لا. بل الله ورسوله وجندهم الغالبون، ولنا عودة على تفسير هذه الآية،

ثم أمر الله رسوله أن يقول لهم: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ إنما أخوفكم من العذاب بالقرآن الذي هو وحي الله إلي، فليس ما أنذركم به من عندي وليس كلاما كبقية الكلام، بل هو كلام الله المحيط علما، القادر القهار، إلا أن الله أفهم رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره أن يقول ذلك لتقوم على الكافرين الحجة: أن هذا الكلام لا يجدي مع من أعمى الله بصيرته، وختم على سمعه وقلبه. ولهذا قال: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ أي هؤلاء صم ولا يسمعون ما تدعوهم إليه إِذا ما يُنْذَرُونَ أي إذا ما يخوفون، فعندهم صمم عن الإنذار،

ثم بين عزّ وجل أن هؤلاء على هذه المنهجية والكبر إذا مسهم أدنى عذاب غيروا واعترفوا فالحماقة والجهل والكبر تجعلهم يستمرون على ما هم عليه: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ أي دفعة يسيرة، أي أدنى شئ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ معترفين يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شئ لذلوا ودعوا بالويل على أنفسهم، وأقروا حين تصاموا وأعرضوا، فاثبت على ما أنت عليه، وانتظر فيهم ما وعدناك، وها هو يوم القيامة آت

وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ أي العدل لِيَوْمِ الْقِيامَةِ

قال ابن كثير: الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه، وقال النسفي: وإنما جمع لتعظيم شأنها فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ولو قليلا.

فلا ظلم هناك وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها أي أحضرناها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أي عالمين حافظين.

<<  <  ج: ص:  >  >>