وقد بقي يوم الإنجاء مشهورا عند بني إسرائيل يعظمونه. فقد روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد عن ابن عباس قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله- عزّ وجل- فيه بني إسرائيل من عدوهم؛ فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه.
يذكرهم تعالى قائلا: واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه، وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر.
والضمير في مِنْ بَعْدِهِ يعود على موسى والتقدير من بعد ذهابه إلى الطور إذ اتخذوا العجل إلها وعبدوه. فههنا ذكرهم بنعمة العفو عنهم على فظاعة الجرم الذي ارتكبوه وهم حديثو عهد بالخروج ومعجزاته.
٤ - وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. الكتاب: التوراة والفرقان: ما يفرق بين الحق والباطل، وهو هنا: إما الآيات التي أعطيها موسى كالعصا واليد، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام؛ فهذه نعمة رابعة أنعمها عليهم أنه أنزل عليهم كتابا ليهتدوا بهديه.
في هذه الآية توبة الله على بني إسرائيل من عبادة العجل، فلم تقبل التوبة إلا بأن قتل بعضهم بعضا، ومع شدة هذا فإن الله يمن عليهم أن تاب عليهم وقبل توبتهم، والبارئ هو: الخالق الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت، والتواب هو: المفضال بقبول التوبة مرة بعد مرة ولو كثرت الذنوب واسم الرحيم في هذا السياق يشير إلى معنى: أن رحمته من السعة بحيث يعفو عن الذنب وإن عظم إذا تاب صاحبه، وأي ذنب أعظم من الشرك؟
وأي ظلم للنفس أكبر من هذا الظلم الذي وقع فيه بنو إسرائيل؟ إذ تركوا بعد المعرفة عبادة العليم الحكيم الذي برأهم إلى عبادة البقر الذي يضرب به المثل في الغباوة