الإيمان ومحل الطاعة الكاملة فيه ومواضعها، وما ينافيها، وما يدخل فيها.
ومجئ هذا المقطع الذي يمكن تسميته بمقطع الطاعة في سياق السورة التي تربي على العبادة والتوحيد والتقوى والإيمان والعمل الصالح واضح السبب، ثم مجئ هذا المقطع بين آية الأمر بأداء الأمانة والحكم بالعدل وبين مقطع الأمر بالنفير العام واضح السبب كذلك. إن الانضباط والطاعة في الفن العسكري يعتبران أساس الوجود العسكري أصلا فإن يسبق الكلام عن القتال كلام عن الطاعة فذلك واضح السبب، وأن يأتي مقطع الطاعة لله والرسول بعد الأمر بأداء الأمانة والحكم بالعدل، فذلك لأنه لا أمانة إلا بطاعة الله ورسوله، ولا عدل إلا بطاعة الله ورسوله، ولذلك ورد اشتقاق الحكم أكثر من مرة في المقطع: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ولعل ما ذكرناه فيه كفاية لمعرفة محل المقطع في السياق الخاص للسورة ومحله بالنسبة للسياق القرآني العام، ومع ذلك نقول لزيادة الإيضاح: إنه في آيات المحور ورد قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا* وفي المقطع بشارة لأهل الإيمان مع توضيح في شأن هؤلاء الذين يستحقون البشارة، وفي محور السورة أمر بالعبادة للوصول إلى التقوى التي تنافي الكفر والنفاق، والمقطع يدلنا على أخلاق للكافرين والمنافقين وكل ذلك له صلة بمحور سورة النساء من البقرة وارتباطاته وامتداداته.
ولنختم الكلام عن هذا المقطع بفصل ونقل:
[فصل: في طاعة أولي الأمر]
لا شك أن طاعة أولي الأمر فيما هو واجب، واجبة .. وأن طاعة أولي الأمر في المعصية حرام، ولكن كثيرا من قضايا الواجب والمعصية يخضع للفتوى البصيرة من أهلها، فهناك حالات الضرورة والاضطرار، وحالات الإكراه، والحالات الاستثنائية، وتأثير ذلك على أصل الحكم الشرعي، وصلة ذلك بالفتوى، وهناك حالات يعطيها أمر أولي الأمر الشرعيين صفة استثنائية، فقد تكون قضية لا تجوز في بعض الأحوال، فإذا أمر بها الأمير أصبحت جائزة، كأمر الأمير أحد المسلمين أن يموه عن نفسه لتحقيق خدعة، أو لتحقيق مصلحة تخدم المعركة، وإذن فنحن إذا تحدثنا عن الطاعة والمعصية فعلى ضوء الفتوى البصيرة التي تلاحظ الزمان والمكان والأشخاص والأوضاع الاستثنائية على ضوء الكتاب والسنة.
على ضوء ذلك كله يقال: لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف فحيثما كانت