للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى العام]

يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بصفة الرسالة، آمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به، وقد امتثل عليه أفضل الصّلاة والسلام ذلك، وقام به أتمّ القيام، ثم بين الله له أنه إن لم يؤد إلى الناس ما أرسله الله به لم يبلغ رسالته، فهو إن كتم آية واحدة ممّا أنزله الله إليه لم يبلّغ رسالته، ثمّ وعده الله- عزّ وجل- أن بلّغ رسالتي، وأني حافظك وناصرك ومؤيّدك على أعدائك ومظفرك بهم. فلا تخف ولا تحزن فلن يسلّط عليك أحد ليقتلك. وقد كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم قبل نزول هذه الآية يحرس، فلمّا نزل الوعد ترك الحراسة، ثم بيّن له أنّ عليه أن يبلّغ وعلى الله الهداية، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ومن سنته أنه لا يهدي الذين يختارون طريق الكفر، وفي سياق الأمر بتبليغ الرسالة يأمره أن يقول لأهل الكتاب إنهم ليسوا على شئ من الدين حتى يقيموا التوراة والإنجيل، بأن يؤمنوا بجميع ما بأيديهم من الكتب المنزّلة من الله على الأنبياء، ويعملوا بما فيها، ومما فيها الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والأمر باتّباعه والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته ثم بيّن تعالى أن كثيرا منهم لا يزداد إلا طغيانا وكفرا، مع كل ما في الوحي الذي أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم من حجج وبينات.

ثمّ نهى الله- عزّ وجل- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يحزن عليهم، ثمّ بيّن تعالى أن المسلمين، أو اليهود الذين أسلموا، أو النصارى الذين أسلموا، أو الصابئة الذين أسلموا، ممن آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحا، مأجورون عند الله، ناجون عنده، بموافقتهم للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثّقلين. فمن اتّصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا على ما تركوا وراء ظهورهم، ولا هم يحزنون، وأما قبل بعثة رسولنا صلّى الله عليه وسلّم فإنهم ينجون إذا قاموا بما كلّفوا به، من الإيمان والعمل الصالح، وفي هذا السياق- سياق الأمر بتبليغ الرسالة- بيّن الله- عزّ وجل- أنّه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السّمع والطاعة لله ولرسله، فنقضوا تلك العهود والمواثيق، واتّبعوا آراءهم وأهواءهم، وقدّموها على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه، وما خالفهم ردوه. وحسبوا أن لا يترتب لهم شر على ما صنعوا، فترتّب، وهو أنهم عموا عن الحق، وصمّوا فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه، ثمّ تاب الله عليهم مما كانوا فيه، فعادوا إلى العمى والصّمم إلا قليلا، والله مطّلع عليهم، وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم. وفي هذا السياق- سياق الأمر بتبليغ الرسالة- يقرّر الله

<<  <  ج: ص:  >  >>