مشبهين لأهل خشية الله. أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. أي: أو أشد خشية من أهل خشية الله. وأو في الآية للتخيير، أي إن قلت خشيتهم الناس كخشية الله، فأنت مصيب، وإن قلت إنها أشد فأنت مصيب، لأنه حصل مثلها وزيادة. ولا يعني هذا أن خشية الله عند أهلها ليست على كمالها حتى يكون عليها مزيد، بل إن خشية الله عند أهلها يرافقها معرفة بجمال الله وفضله، ولذلك فإن الخشية يرافقها عادة رجاء، أما هؤلاء فإن خشيتهم من الناس أعمت قلوبهم حتى لم يبق معها محل لغيرها، ولذلك زادت على خشية الله. وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ.
سألوا عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم، لا اعتراضا لحكمه بدليل أنهم أجيبوا على سؤالهم بما يأتي. وبدليل أنهم اقترحوا أن يؤخر فرضه عليهم إلى مدة أخرى. لقد طلبوا التأجيل ولو إلى أمد قريب، رغبة في الحياة، وتجنبا لسفك الدماء، ويتم الأولاد وتئيم النساء. وهي حالة مرضية، عالجها الله تعالى، بلفت النظر إلى حقيقة الحياة الدنيا، وإلى حقيقة الموت. قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى. أي:
متاع الدنيا قليل زائل. ومتاع الآخرة دائم، والكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل. فكيف بالقليل الزائل. وقيد كون الآخرة خيرا للمتقين لأنهم هم الذين في حقهم
الآخرة خير من الدنيا أما الكافرون، فإن الآخرة شر لهم من الأولى. وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا. هذا النص في سياقه يعني: أنكم لا تنقصون أدنى شئ من أجوركم على مشاق القتل، فلا ترغبوا عنه.
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ. أي: أنتم صائرون إلى الموت.
والموت واصل إليكم. والحذر لا ينجي من القدر. وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.
أي: الموت يصل إليكم، ولو كنتم في حصون أو قصور حصينة، منيعة، عالية، رفيعة.
وبهاتين القضيتين، تعالج كراهية القتال، وحب الحياة: معرفة حقيقة الدنيا بالنسبة للآخرة. ومعرفة أن الموت لا يتقدم، ولا يتأخر. ثم ذكر الله- عزّ وجل- مرضا آخر، وقع فيه هؤلاء الطالبون لتأخير فريضة القتال وهو مرض يصيب الكثيرين خاصة في حالات الصراع مع أهل الكفر عند ما يصاب أهل الإيمان، وكل من المرضين يمكن أن يصاب به المسلمون في كل زمان ومكان. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ. أي: نعمة من خصب ورخاء. يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وهي كذلك. ولا اعتراض على هذا. ولكن الاعتراض على ما بعده. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ. أي: بلية من قحط