وهكذا أقامت هذه الآيات الحجة على ضرورة عبادة الله وشكره، بأن ذكّرت بنعم الله في خلقه الليل والنهار والأشياء كلها، وبأن ذكّرت بوحدانيته وربوبيته وألوهيته، كما أنكرت على من يصرف عن العبادة، وبيّنت أنّ سبب الصرف عن العبادة هو جحود آيات الله. فالجحود هو الصارف عن العبادة، وعن الشكر، وصلة ذلك بقوله تعالى وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ واضحة، وصلة ذلك بالجدال في آيات الله واضحة.
ب-
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً قال النسفي: أي مستقرا وقال ابن كثير: (أي جعلها لكم مستقرا بساطا مهادا تعيشون عليها وتتصرّفون فيها، وتمشون في مناكبها، وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم). أقول: وقد أخطأ من ظنّ أن القرار لا يجتمع مع الدوران، فأتت تشعر بالاستقرار وأنت راكب في السيارة والقطار والطائرة، ولا يعني ذلك نفي الحركة، فالله عزّ وجل يمنّ علينا باستقرارنا على الأرض بحيث لا تميد بنا ولا تضطرب، وهذا يتحقق في حالة سكون الأرض، أو حركتها المنتظمة وَالسَّماءَ بِناءً محكما غير مضطرب، أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور.
قال صاحب الظلال: فأما الإنسان ذاته فمن حسن صورته هذه الهيئة المتفردة بين سائر الأحياء، وهذا الاكتمال من ناحية الأجهزة لأداء وظائفه جميعها في يسر ودقّة؛ وهذا التوافق بين تكوينه والظروف الكونية العامة التي تسمح له بالوجود والحركة في هذا الوسط الكوني كما هو كائن. وذلك كله فوق خاصيته الكبرى التي جعلت منه خليفة في الأرض، مجهزا بأداة الخلافة الأولى: العقل والاتصال الروحي بما وراء الأشكال والأعراض.
ولو رحنا نبحث دقة التكوين وتناسق أجزائه ووظائفه- بوصفها داخلة في قوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ- لوقفنا أمام كل عضو صغير، بل أمام كل خلية مفردة، في هذا الكيان الدقيق العجيب.