بعد فنائها وتفرقها ببيان القرآن الذي ما بعده بيان .. ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي: أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا، وهذه لغة الكافرين في كل زمان، يرفضون الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه لم يجئ ميت فيخبرنا، ونسوا أن كلام الرسول المعصوم، والقرآن المعجز أقوى وأثبت من كلام أي إنسان، حتى ولو عاد إلى الحياة من الموت، لأنه من يدرينا- حتى لو عاد إلى الحياة- أنه صادق، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم قامت كل الأدلة على صدقه، والقرآن قامت كل الأدلة على أنه من عند الله الذي لا أصدق منه، وقد أخبرانا عن الآخرة، ولكنه العمى، وقد ردّ الله عزّ وجل عليهم بقوله:
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ .. ومن كان قادرا على ذلك كله كان قادرا على الإتيان بآبائكم ضرورة، فالذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى، ولكن سنّته أن يجمعكم إلى يوم القيامة، وليست سنته أن يعيدكم في الدنيا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي لا يعرفون قدرة الله على البعث، لإعراضهم عن التفكير في الدلائل، فلهذا ينكرون المعاد، ويستبعدون قيام الأجساد. وبعد أن دلّل الله عزّ وجل على اليوم الآخر بقدرته على البداءة، يذكر دليلا ثانيا على ذلك، وهو مالكيته للأشياء كلها، ومن كان كذلك فهو قادر على أن يفعل ما شاء
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: ومن كان كذلك فهو القادر على كل شئ، والحاكم في كل شئ، ومن ثم فلا بد من يوم آخر، ثم عقّب على هذا المعنى واعظا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أي: القيامة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وهم الكافرون بالله، الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات، والدلائل الواضحات وبعد أن أقام الله عزّ وجل الحجة أنذر:
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي: جالسة على الركب من الهول والشدة والعظمة. قال ابن كثير:
(ويقال: إن هذا إذا جئ بجهنم فإنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا أي: إلى صحائف أعمالها فيقال لهم: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. في الدنيا: قال ابن كثير: أي: تجازون بأعمالكم خيرها وشرها
هذا كِتابُنا أي: الذي كتبته الملائكة عليكم يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أي: من غير زيادة ولا نقصان. أي: يشهد عليكم بما عملتم كاملا قال ابن كثير: أي: يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي:
نستكتب الملائكة أعمالكم .. قال النسفي: وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت