إليه على تنزه الله، والدال على الخير كفاعله، والأرجح أن تسبيح الأشياء بلسان المقال وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إما لاختلاف اللغات أو لتعسر الإدراك قال ابن كثير: أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغاتكم. وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، وهذا أشهر القولين. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً أي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه غَفُوراً لمن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان، ورجع إلى الله وتاب إليه، فيا أيها الناس توبوا إلى الله ونزّهوه كما ينزهه كل شئ، واتخذوا إليه سبيلا يقربكم إليه. لقد رأينا أن الكافرين لا يزيدهم القرآن إلا نفورا. والآن يبين السياق أن الله عزّ وجل يحول بين قلوب الكافرين وهذا القرآن، تنزيها لهذا القرآن أن يصل لقلوب مثل قلوبهم، فالقرآن لا يقبل أن يصل إلى قلب نجس، فهو طاهر وطهارة القلوب هي التي تستأهل سكناه ومعناه
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً أي حجابا ذا ستر أو حجابا لا يرى فهو مستور. ومن ثم فالكافرون تسمع آذانهم ولكن قلوبهم لا تسمع، لأن الحجاب يحول دون الوصول، فهو حائل ومانع أن يصل إليهم شئ مما يقوله، وهل هذا الحجاب هو الأكنّة التي سيذكرها في الآية اللاحقة، أو هو حجاب زائد على تلك الأكنة؟ قولان للمفسرين. رجّح ابن جرير أن الحجاب زائد على وجود الأكنة، فهو إذن حجاب مستور، لا تراه الأبصار، يحول بينهم وبين الهدى. وقد ذكرت الآية سبب استحقاقهم هذا الحجاب وهو كفرهم بالآخرة. فالكفر بالآخرة هو السبب الذي عاقبهم الله به، فجعل بينهم وبين هذا القرآن حجابا
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية جمع كنان، وهو الذي يستر الشئ أَنْ يَفْقَهُوهُ أي لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعا ينفعهم ويهتدون به، فهم لكفرهم حيل بينهم وبين القرآن بحجاب وغلاف يغلف قلوبهم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ أي موحّدا له دل ذلك على أن القرآن ذكر وأنه إعلان للتوحيد وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ أي رجعوا على أعقابهم نُفُوراً أي نافرين نفورا. دلّ ذلك على أنّ التوحيد القرآني لا يستطيع قبوله، ولا تحمله من لا يؤمن بالآخرة، فعلى فرض أنه أصبح عنده توجّه ما لهذا القرآن فإنه ما يكاد يسمع التوحيد القرآني حتى يولي نافرا هاربا.
ثم بيّن الله عزّ وجل أنه عند ما عاقبهم بالأكنّة والحجاب إنما فعل ذلك لأنه الأعلم بطريقة استماعهم وحالهم ومكرهم عند هذا الاستماع فقال: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أي نحن أعلم بالحال