علمهم ببطلان قولهم، وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه، وما محمد إلا واحد من العرب)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ أي: مختلق مِثْلِهِ أي: مثل القرآن إِنْ كانُوا صادِقِينَ في أن محمدا صلى الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه، لأنه بلسانهم وهم فصحاء، قال ابن كثير:(أي إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه فليأتوا بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما
جاءوا بمثله، ولا بعشر سور من مثله، ولا بسورة من مثله).
...
قال صاحب الظلال: (إن في هذا القرآن سرا خاصا، يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها. إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن. يشعر أن هنالك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير. وأن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن. يدركه بعض الناس واضحا ويدركه بعض الناس غامضا، ولكنه على كل حال موجود. وهذا العنصر الذي ينسكب في الحس، يصعب تحديد مصدره: أهو العبارة ذاتها؟ أهو المعنى الكامن فيها؟ أهو الصور والظلال التي تشعها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة؟ أم إنها هي وشئ آخر وراءها غير محدود؟!.
ذلك سر مودع في كل نص قرآني، يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداء ... ثم تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبر والنظر والتفكير في بناء القرآن كله:
في التصور الكامل الصحيح الذي ينشئه في الحس والقلب والعقل.
وفي الطريقة التي يتبعها القرآن لبناء هذا التصور الكامل الصحيح في الإدراك البشري. وهو يخاطب الفطرة خطابا خاصا غير معهود مثله في كلام البشر أجمعين؛ وهو يقلب القلب من جميع جوانبه ومن جميع مداخله، ويعالجه علاج الخبير بكل زاوية وكل سر فيه.
وفي الشمول والتوازن والتناسق بين توجيهاته كلها، والاستواء على أفق واحد فيها كلها. مما لا يعهد إطلاقا في أعمال البشر التي لا تستقر على حال واحدة، ولا تستقيم على مستوى واحد، ولا تحيط هكذا بجميع الجوانب، ولا تملك التوازن المطلق الذي لا زيادة فيه ولا نقص، ولا تفريط فيه ولا إفراط، والتناسق المطلق الذي لا تعارض