إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون، وأما أهل النار فبينهم التعادي. قال قتادة:
يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحا شفع
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أي رجعة إلى الدنيا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يتمنون هناك أن يردوا إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة الله فيما يزعمون، والله تعالى يعلم أنهم لو ردوا إلى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي إن فيما ذكر من نبأ إبراهيم، والتعقيب عليه لعبرة ومعجزة. قال ابن كثير: أي في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجج عليهم في التوحيد، لآية أي لدلالة واضحة جليلة على أنه لا إله إلا الله وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ مع قيام الحجج وظهور الآيات
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ومن عزته تعذيب الكافرين في النار، وإدخال المؤمنين الجنة.
[فوائد]
١ - بمناسبة قوله تعالى على لسان إبراهيم وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ذكر النسفي أن الخطيئة التي أشار إليها هي قوله:(إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم) و (هذا ربي) و (هي أختي لسارة) ثم قال: وما هي إلا معاريض جائزة، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار، واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم، وهضم لأنفسهم، وتعليم للأمم في طلب المغفرة.
٢ - بمناسبة قوله تعالى على لسان ابراهيم: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ قال ابن كثير: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار: «اللهم في الرفيق الأعلى:» قالها ثلاثا، وفي الحديث في الدعاء:«اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين»
٣ - وبمناسبة دعوة إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ قال ابن كثير: وقال البخاري عند هذه الآية: قال إبراهيم بن طهمان ... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلقى إبراهيم يوم القيامة أباه، عليه الغبرة والقترة، وفي رواية أخرى ... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون. فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين» هكذا رواه عند هذه الآية، وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفردا به، ولفظه:
يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟! فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم يا رب إنك