للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه فقال: اكتب يا زيد، فأخذت كتفا، فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ. .. إلى قوله أَجْراً عَظِيماً فكتبت ذاك في كتف، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى- فقام حين سمع فضيلة المجاهدين وقال:

يا رسول الله! كيف بمن لا يستطيع الجهاد، ومن هو أعمى وأشباه ذلك؟ قال زيد:

فو الله ما مضى كلامه- أو ما هو إلا أن قضى كلامه حتى غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عنه فقال: اقرأ فقرأت عليه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ .... فقال النبي صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قال زيد: فألحقتها، فو الله كأني انظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف».

٥ - والملاحظ أن هذه الآية جاءت بعد الأمر بالتبين، فكأنه بعد الأمر بالتبين قد يتباطأ ناس عن الجهاد خوفا من عدم التبين، فجاءت هذه الآية لترفع الهمم إلى الجهاد.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ توفاهم. أي: تتوفاهم، والتوفي:

قبض الروح. والمراد بالملائكة: ملك الموت وأعوانه. وظلمهم أنفسهم بمخالطة الكافرين، وتركهم الهجرة المفروضة، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ. أي: قال الملائكة للمتوفين: في أي شئ كنتم في أمر دينكم، ومعناه التوبيخ لأنهم لم يكونوا في شئ من الدين لتركهم الهجرة، ومخالتطهم للكافرين، وما يقتضيه ذلك من طاعة ورضوخ ومجاملة

وترك عمل. قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ. أي: كنا عاجزين عن الهجرة، ومجبرين على المكث في الأرض التي نحن فيها. قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها. أي: قال الملائكة هؤلاء موبخين لهم: إنكم كنتم قادرين على الهجرة أي: على الخروج إلى بلد ما لا تمنعون فيها من إظهار دينكم. فالإنسان لا يعدم حيلة إن صمم على شئ فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. أي: مقرهم فيها وساءت ما يصيرون إليه قال النسفي: والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب، وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت المهاجرة. أهـ.

وقد ذكر ابن كثير الإجماع على ذلك. أما إذا تمكن من إقامة دينه، فهل تجب عليه الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومن دار الظلم إلى دار العدل؟ ومن دار البدعة إلى دار السنة؟ قولان للعلماء. قال الحنفية: يجب، وقال الشافعية: يندب له البقاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>