ثم مد رواق الأمن خارج منطقة الزمان والمكان، فجعله حقا للهدي- وهو النعم- الذي يطلق ليبلغ الكعبة في الحج والعمرة، فلا يمسه أحد في الطريق بسوء. كما جعله لما يقلّد من الهدي معلنا احتماءه بالبيت العتيق.
«وبعد فإنها ليست منطقة الأمان في الزمان والمكان وحدهما. وليس رواق الأمن الذي يشمل الحيوان والإنسان وحدهما .. وإنما هي كذلك منطقة الأمان في الضمير البشري .. ذلك المصطرع المترامي الأطراف في أغوار النفس البشرية .. هذا المصطرع الذي يثور ويغور فيطغى بشواظه وبدخانه على المكان والزمان، وعلى الإنسان والحيوان! .. إنها منطقة السلام والسماحة في ذلك المصطرع، حتى ليتحرج المحرم أن يمدّ يده إلى الطير والحيوان .. وهما- في غير هذه المنطقة- حل للإنسان. ولكنهما هنا في المثابة الآمنة في الفترة الآمنة في النفس الآمنة .. إنها منطقة المران والتدريب للنفس البشرية لتصفو وترق وترف فتتصل بالملإ الأعلى، وتتهيأ للتعامل مع الملأ الأعلى.
ألا ما أحوج البشرية المفزعة الوجلة، المتطاحنة المتصارعة .. إلى منطقة المران التي جعلها الله للناس في هذا الدين، وبينها للناس في هذا القرآن».
ولقد بيّن- جل جلاله- الحكمة في جعله الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قياما للناس بأنها ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وفي هذا المقام يقول صاحب الظلال:
«تعقيب عجيب في هذا الموضع، ولكنه مفهوم أن الله يشرع هذه الشريعة، ويقيم هذه المثابة، ليعلم الناس أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله بكل شئ عليم .. ليعلموا أنه يعلم طبائع البشر وحاجاتهم ومكنونات نفوسهم، وهتاف أرواحهم. أنه يقرر شرائعه لتلبية الطبائع والحاجات، والاستجابة للأشواق والمكنونات، فإذا أحست قلوب الناس رحمة الله في شريعته، وتذوّقت جمال هذا التطابق بينها وبين فطرتهم العميقة علموا أن الله يعلم ما في السماوات والأرض وأن الله بكل شئ عليم».
[فوائد]
١ - [الخلاف فيما يحرم صيده وقتله على المحرم]
فيما يحرم صيده وقتله على المحرم خلاف بين العلماء، فالشافعي يرى أنّ المحرّم هو المأكول، وما تولّد منه دون غيره، ويجوز عنده للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه