ولا فرق بين صغاره وكباره، فالعلّة الجامعة كونها لا تؤكل. والجمهور على حرمة صيد ما يؤكل وما لا يؤكل ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم:
الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور». وقال مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خمس من الدوابّ ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور». ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله، قال أيوب: قلت لنافع: فالحية؟ قال: الحية لا شك فيها، ولا يختلف في قتلها، ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب، والسبع، والنّمر، والفهد؛ لأنها أشدّ ضررا منه. وقالوا: فإن قتل المحرم ما عداهن فداه كالضبع والثعلب والوبر (هرّ البرّ) ونحو ذلك. قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي.
وقال أبو حنيفة: يقتل المحرم الكلب العقور والذئب لأنه كلب برّي، فإن قتل غيرهما فداه، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه، وهذا قول الأوزاعي، والحسن بن صالح: وقال زفر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك، وإن صال عليه، وقال بعض الناس: المراد بالغراب هاهنا: الأبقع وهو الذي في بطنه وظهره بياض دون الأدرع وهو الأسود، والأعصم وهو الأبيض، لما رواه النسائي ... عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور». والجمهور على أن المراد به أعمّ من ذلك لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه، وقال مالك رحمه الله: لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه. وقال مجاهد بن جبر وطائفة: لا يقتله بل يرميه، ويروى مثله عن علي. وقد روى هشيم- .. عن أبي سعيد، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عما يقتل المحرم، فقال:«الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي». ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن.
وعند ما تكون المسألة فيها أخذ ورد بين الأئمة فينبغي أن يلاحظ الإنسان ألا يقرب ما أجمعوا عليه، ثم يحتاط لدينه بمطالبته نفسه بالعزيمة، ويعذر الناس إذا أخذوا بالرّخصة أي: بالقول الأخفّ من أقوال الأئمة.