لَمْ يَحْتَسِبُوا ... وفي قوله: وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ نوع تفصيل لقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
٢ - بعد أن فصل الله- عزّ وجل- خصائص المتقين من خلال سياق سورة الحشر الخاص، وبعد أن أرانا نماذج من تعذيبه للكافرين في الدنيا؛ لأنهم يشاقون الله ورسوله تأتي المجموعة الثانية في المقطع الأول لسورة الحشر، فتعرفنا على طبيعة المنافقين، وفي ذلك زيادة تفصيل عن المنافقين، ولذلك صلته بمقدمة سورة البقرة، إن مقدمة سورة البقرة عرضت علينا حقيقة المنافقين، وعرفتنا عليهم من خلال أقوالهم، ومثلت لحالهم، ومما عرضته لنا أنهم إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ وفي المجموعة التالية من المقطع نرى حقيقة معية المنافقين للكافرين في اللحظات الحاسمة من الصراع بين الكافرين والمؤمنين، ومن خلال ذلك ندرك أن سورة الحشر تفصل في مقدمة سورة البقرة من خلال المواقف العملية. فلنر المجموعة الثانية.
[تفسير المجموعة الثانية في المقطع الأول]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا كعبد الله بن أبي، وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني: بني النضير والمراد أخوة الكفر لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دياركم لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ أي: مصيرنا ومصيركم واحد وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً أي: إن أمرنا فيكم أمرا فلن ننفذه وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ أي: فاثبتوا وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ قال ابن كثير: أي: لكاذبون فيما وعدوهم به، إما لأنهم قالوا لهم قولا ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به، وإما لأنهم لا
يقع منهم الذي قالوه،
ولهذا قال تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ فهم كاذبون في ما قالوه لهم في هذا الشأن وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ فهم كاذبون فيما قالوه لهم في هذا الشأن وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفرض والتقدير لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ أي: ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ بعد ذلك، أي: يهلكهم الله