٥ - [تفصيل أكثر للترابط بين أقسام القرآن ومجموعات كل قسم]
لقد قلنا من قبل إن كلّ سورة لها محورها من سورة البقرة، تفصّل في هذا المحور، وفي امتداداته، لاحظ الآن ما يلي:
بعد مقدّمة سورة البقرة جاء مقطع يبدأ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... وينتهي بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وقد رأينا كيف أن محور سورة (فصّلت) هو يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .. ولقد جاء في سورة فصّلت قوله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ .. فلهذه الآيات صلة بآخر آية من المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة، وهذا يعرّفنا على طبيعة التفصيل القرآني، ومن هذه الحيثية نجد أنفسنا أمام أشكال هندسية جديدة في الوحدة القرآنية، فلو افترضنا أن سورة البقرة تشكل قاعدة، أجزاؤها هي آياتها، فإنّ الآيات المتقاربة في معناها تلتقي خيوطها في نقطة واحدة لتأتي سورة فتفصّل، ثمّ تأتي سورة أخرى فتفصل في تجمّع آخر، وهكذا نجد أنفسنا أمام مئات الأشكال الهندسية التي تلتقي في نقاط، ثمّ تفترق لتتجمّع بعد ذلك في نقاط أخرى وهكذا، ويربط بين ذلك كله شكل جامع.
٦ - [ملاحظة هامة على سياق السور الثلاثة السابقة: الزمر وغافر وفصلت]
ونلاحظ أنّ السور الثلاث لم تحدّثنا كثيرا عن الأحكام العملية، بل كانت أكثر آياتها منصبة على البناء العقلي والقلبي للمسلم؛ لأن ذلك هو الأساس الذي تقوم عليه الأحكام.
تأمّل الآن ما يلي:
كل سورة من السور الثلاث ذكّرت بالمعاني الرئيسية التي ينبغي أن يتذكّرها الإنسان، والسور الثلاث بمجموعها ذكّرت بوحدة كلّية يحتاجها الإنسان، فإذا عرفت أن هذا القرآن يتألف من كذا سورة، ومن كذا مجموعة، وأن سوره منها القصير، ومنها الطويل، ومنها المتوسط، وأن مجموعاته كذلك- أدركت لم كان القرآن كذلك، وكيف أن القرآن ذكر ومذكّر، وفي ذلك مظهر من مظاهر الإعجاز.
٧ - [ضرورة دراسة القرآن لاستيعاب مواضيع العقيدة]
وأنت عندما تدرس مجموعات القرآن فإنك تجد أنّ القرآن يعالج أدقّ مواضيع العقيدة بأنواع المعالجات التي تستأصل الباطل، وتعمّق الحقّ، وتستأصل جذور