إن محور سورة الفرقان هو كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ .. وقبل هذه الآية بآيتين آية تشبه الآية التي نحن بصددها، وهي التي ذكرها مجاهد: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن السور تفصل محاور في سورة البقرة، وامتدادات معاني هذه المحاور، والحيز الذي جاءت فيه هذه المحاور ومن ثم فإن المشهد الثاني في هذا السياق له علاقة بالآية التى جاءت مباشرة قبل آية المحور من سورة البقرة وهي آية زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فلنر المشهد الثاني.
[المشهد الثاني]
وَيَوْمَ أي اذكر يوم يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قال ابن كثير:(يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله من الحق المبين، الذي لا مرية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفا، وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط، أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم ... ) فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم ويعض على يديه ويَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ في الدنيا سَبِيلًا أي طريقا إلى الجنة والنجاة وهو الإيمان
يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً يعني من صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة، قال ابن كثير: وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما خَلِيلًا أي صديقا ورفيقا
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ أي ذكر الله، أو القرآن أو الإيمان بَعْدَ إِذْ جاءَنِي من الله أي بعد بلوغه إلي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه، أي من عادة الشيطان ترك من يواليه، وهل هذا حكاية كلام الله أو هو تتمة كلام الظالم يحكيه الله؟ قولان للمفسرين، وهل المراد بالشيطان في الآية خليل الإنسان الذي أضله أو أن المراد به إبليس؟ قولان كذلك، وبهذا انتهى المشهدان اللذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتذكرهما؛ لما يترتب على تذكرهما من صبر واستقامة، وتحمل وعزاء.