يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه، فلهذا لم يعرفوه وهو فيما هو فيه، وأما هو فعرفهم، وفي الإصحاح الثاني والأربعين من التوراة المحرفة الحالية ذكر إرسال يعقوب أولاده لمصر ليشتروا قمحا وفيه (ولما نظر يوسف إخوته عرفهم فتنكر لهم وتكلم معهم بجفاء وقال لهم من أين جئتم فقالوا من أرض كنعان لنشتري طعاما، وعرف يوسف إخوته وأما هم فلم يعرفوه)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي أوفى لهم كيلهم وحمل لهم أحمالهم قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أي بنيامين أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أي أتمه وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ أي المضيفين، وقد رأوا من حسن إنزاله وضيافته الكثير، وفي هذا ترغيب لهم على الرجوع إليه
ثم رهبهم فقال: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي أي فلا أبيعكم طعاما وَلا تَقْرَبُونِ أي فإن لم تأتوني به فلا تأتوا إلي
قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أي سنخادعه عنه ونحتال حتى ننزعه من يده وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ذلك لا محالة، لا نفرط فيه ولا نتوانى عنه، وعدوه أنهم سيحرصون على مجيئه إليه بكل ممكن، ولا يبقون مجهودا في هذا الشأن
وَقالَ لِفِتْيانِهِ أي لغلمانه الكيالين اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها فِي رِحالِهِمْ أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها أي لعلهم يعرفون حق ردها، وحق التكرم بإعطاء البدلين إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ وفرغوا ظروفهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا، وقد تكون الحكمة في فعله أنه خشي ألا يجدوا بضاعة بها يرجعون، أو ظنا منه أن ما فيهم من الديانة يعيدهم لرد الأمانة، أو أنه لم ير أن من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنا
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ بالطعام وأخبروه بما فعل قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يشيرون إلى ما قاله يوسف لهم فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ فبه نرفع المانع من الكيل، ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عن أن يناله مكروه، وكانت ككلمتهم يوم أخذوا يوسف وقد وعدوه بحفظه
ولهذا قال لهم هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ يعني: أنكم قلتم في يوسف كما تقولون في أخيه، ثم خنتم بضمانكم، فما يؤمنني من مثل ذلك، وكأن لسان حاله يقول هل أنتم صانعون به كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيبونه عني، وتحولون بيني وبينه فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي سيرحم كبري وضعفي، ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يرده علي، ويجمع شملي به، لأنه خير الحافظين وأرحم الراحمين
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي أي ما نظلم في القول