كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ. أي: كلما أحرقت. بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها قال النسفي: أي: أعدنا تلك الجلود غير محترقة. فالتبديل والتغير لتغاير الهيئتين، لا لتغاير الأصلين عند أهل الحق، وعن الفضل: يجعل النضيج غير نضيج. لِيَذُوقُوا الْعَذابَ. أي: ليدوم لهم ذوقه. وقد ذكر علماء التشريح أن الأعصاب التي تذوق الألم هي في الجلود، فما أعظم إعجاز هذا القرآن. وكيف لا يكون الأمر كذلك ومنزله خالق كل شئ، والعالم بكل شئ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً. أي: غالبا في انتقامه، حَكِيماً. في ما يفعله بالمجرمين.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ. أي اجتمع لهم الإيمان مع العمل الصالح، سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ. أي: من الأنجاس والحيض والنفاس وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا. أي: ظلا طويلا فينانا لا جوب فيه، ودائما لا تنسخه الشمس، وسجسجا لا حر فيه ولا برد، وليس إلا ظل الجنة كذلك.
اجتمع لهم الخلود مع لذة النظر ولذة المتعة، ولذة المحيط دون منغصات، نسأل الله الجنة.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها. دخل في هذا الأمر أداء الفرائض التي هي أمانة الله تعالى التي حملها الإنسان، وحفظ الحواس التي هي ودائع الله تعالى، ودخل في ذلك الأمانات العادية التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ أي: وإذا قضيتم بين الناس أن تقضوا بالسوية والإنصاف، بلا هوى ولا جور، بالقضاء بحكم الله. إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ.
أي: إن الله نعم شيئا يعظكم به، أو إن الله نعم الشئ الذي يعظكم به، أي نعما يعظكم به ذلك، وهو المأمور به، من أداء الأمانات، والعدل في الحكم. إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً سميعا لأقوالكم، بصيرا بأعمالكم. وسبب نزول هذه الآية الأخيرة ما رواه ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل في البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ... الآية. فدعا عثمان إليه. فدفع إليه المفتاح. قال:«وقال عمر ابن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ .... فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك». وقد عرض ابن كثير مجموعة