يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته، وصد عن رسله، بأنه سيدخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم، وأجزائهم، ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، وأنه كلما احترقت جلودهم، بدلوا جلودا غيرها، حتى إنه ليتبدل في الساعة مائة مرة كما روي عن عمر، وفي رواية مائة وعشرين مرة، وكلا الروايتين عن عمر يرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يعظم أهل النار في النار، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد» ثم ختم الله- عزّ وجل- الآية الأولى بوصف ذاته بالعزة والحكمة، وهما يفيدان في هذا المقام غلبة الله بالانتقام، وأنه لا يمتنع عليه شئ مما يريده بالمجرمين، وعقوبته لهم هي الحكمة عينها. وإذ بين عقوبة الكافرين، بين فيما بعد جزاء المؤمنين، فأخبر عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها، وأرجائها، حيث شاءوا، وأين أرادوا، وهم خالدون فيها أبدا، لا يحولون ولا يزولون، ولا يبغون عنها حولا، ولهم فيها أزواج مطهرة من الحيض والنفاس والأذى، والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة، ويدخلهم ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا، وقد روى ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها- شجرة الخلد». وقال تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. (سورة الرحمن) ثم أمر الله- عزّ وجل- المؤمنين أمرين- كلاهما ضروري في قضية التقوى:
الأمر الأول: فى أداء الأمانات إلى أهلها، وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله- عزّ وجل- على عباده من الصلاة، والزكاة، والصيام، والكفارات، والنذور، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك، مما يأتمنون به من غير اطلاع وبينة على ذلك. فأمر الله- عزّ وجل- بأدائها. ومن ذلك قيام كل إنسان برعاية مسئولياته حتى قال ابن عباس: يدخل فيه وعظ السلطان النساء، يعني يوم العيد.
والأمر الثاني: أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس، ولا عدل إلا بإقامة حكم الله، وكل تصور للعدل غير ذلك، إنما هو انحراف وجهل وجور، ثم أثنى الله- عزّ وجل- على ما يأمرنا به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة. ثم ختم الله الآية والمقطع بتذكيرنا بأنه سميع لأقوالنا بصير بأفعالنا.