للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر بالتوجه نحو البيت الحرام. ولكن الخلاف في قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ هل نزل متأخرا؟ فعلى القول أنه نزل متأخرا فإن الآيتين تكونان قد نزلتا متأخرتين عن الفقرتين اللاحقتين في هذا المقطع. وقد ذكرتا متقدمتين على الفقرتين مع تأخرهما نزولا. لأنهما بمثابة المدخل لتغيير القبلة. وتعليل لهذا التغيير، ومن ثم فلم نبعد إذا

اعتبرناهما فقرة من فقرات المقطع.

٢ - ومما دلنا على أن الآيتين فقرة تميز الفقرتين اللاحقتين بما يدل على أنهما فقرتان ذواتا خصائص مشتركة. فكل من الفقرتين اللاحقتين تبدأ بآية مضمونها متشابه وخاتمتهما واحدة. فأول آية في الفقرة اللاحقة فيها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. وخاتمة هذه الآية قوله تعالى:

وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وأول آية في الفقرة الثانية فيها قوله تعالى:

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وخاتمتها هي وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

وهكذا يأتي مقطع القبلة من فقرات ثلاث واضحة المعالم: الأولى منها بمثابة التعليل للتغيير، والثانية فيها أمر بالتغيير، والثالثة فيها تأكيد للأمر. وفي كل من الفقرات الثلاث تعليم حجة أو إقامة حجة. وفي الفقرة الأولى والثالثة تبيان النعمة في شأن الأمر الناسخ. وفي الفقرة الثانية تهديد لمن خالف أو ناقش أو تردد، وفي ثنايا ذلك ومع ذلك معان لا يحاط بها. وذلك كله أوسع من أن يستطيع البشر بعضه لمن عقل. وذلك مظهر من مظاهر الإعجاز.

[تفسير الفقرة الثانية في مقطع القبلة]

[آثار]

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: «كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود. فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم. فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء. فأنزل الله قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إلى قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فارتابت من ذلك اليهود وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>