للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت مني شيئا، وقد علمت أنه صحيح، إلا أنه خفي عليك وجه صحته، فأنكرت في نفسك، ألا تفاتحني بالسؤال، ولا تراجعني فيه، حتى أكون أنا الفاتح عليك. قال النسفي: وهذا من أدب المتعلم مع العالم، والمتبوع مع التابع

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أي لقد أتيت شيئا كبيرا فظيعا. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن موسى وصاحبه- وهو الخضر- أنهما انطلقا لما توافقا واصطحبا، واشترط عليه أن لا يسأله عن شئ أنكره حتى يكون هو الذي يبتدئه من تلقاء نفسه بشرحه وبيانه، فركبا في السفينة، وقد تقدم في الحديث كيف ركبا في السفينة، وأنهم عرفوا الخضر، فحملوهما بغير نول يعني: بغير أجرة تكرمة للخضر، فلما استقلت بهم السفينة في البحر، ولجّجت أي: دخلت اللجة، قام الخضر فخرقها، واستخرج لوحا من ألواحها، ثم رفعها فلم يملك موسى عليه السلام إلا أن قال منكرا عليه أَخَرَقْتَها .... فعند ما قال له الخضر مذكّرا بما تقدم من الشرط

قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً يعني وهذا الصنيع فعلته قصدا، وهو من الأمور التي اشترطت معك ألا تنكر عليّ فيها، لأنك لم تحط بها خبرا، ولها وجه هو مصلحة ولم تعلمه أنت

قالَ أي موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي لا تؤاخذني بالذي نسيته، أو بشيء نسيته، أو بنسياني، أراد أنه نسي وصيّته ولا مؤاخذة على الناسي وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً أي ولا تغشني عسرا من أمري، أي ولا تعسّر عليّ متابعتك، ويسّرها علي بالإغضاء وترك المناقشة، أي لا تضيّق عليّ ولا تشدّد. قال ابن كثير: ولهذا تقدم في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «كانت الأولى من موسى نسيانا».

فَانْطَلَقا أي بعد ذلك حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قال ابن كثير:

وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية، من القرى وأنه عمد إليه من بينهم، وكان أحسنهم وأجملهم وأضوأهم فقتله، وقيل: إنه احتز رأسه. وقيل: رضخه بحجر. وفي رواية اقتلعه بيده، والله أعلم. فلمّا شاهد موسى عليه السلام هذا أنكره أشد من الأول، وبادر وقال: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي طاهرة من الذنوب، قال هذا؛ إما لأنها طاهرة عنده، أو لأنه لم يرها قد أذنبت، أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث بِغَيْرِ نَفْسٍ بغير أن تقتل هي نفسا فيقتص منها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً أي ظاهر النكارة

قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ذكّره بشرطه الأول

قالَ أي موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها. أي بعد هذه الكرة أو المسألة

<<  <  ج: ص:  >  >>