والآخرة، وجزاء من ينحرف عن دين الله بعد دخوله فيه، وبعضا من مكارم الأخلاق التي يأمر بها هذا الدين، وبعضا من سيئات الأخلاق التي ينهى عنها.
وهذه المجموعة الأخيرة نموذج على هداية هذا القرآن للتي هي أقوم فهي مرتبطة بمقدمة المجموعة السابقة عليها، وهي وما قبلها مرتبطة بالمجموعة الأولى التي فيها بيان لما فعل ببني إسرائيل لمّا انحرفوا عن الوحي الذي نزل عليهم. فالأولى تعظ، والثانية تقرر، والثالثة تأمر وتنهى. ليقدم بذلك المقطع الأول للمقطع الثاني الذي يبيّن أن الحجة تقوم بهذا القرآن، ومع ذلك ينفر منه الكافرون، ويرد على مواقفهم. ومن ثم نجد بداية المقطع الثاني وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. ولا نستعجل الكلام عن المقطع الثاني. ولننقل بعض الفوائد والنقول ذات الصلة بالمجموعة الأخيرة
نقول [من الظلال]:
١ - [حول النهي عن الزنا في قوله تعالى وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً .. ]
قال صاحب الظلال بمناسبة النهي عن الزنا: «ومن النهي عن قتل الأولاد إلى النهي عن الزنا وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا ..
وبين قتل الأولاد والزنا صلة ومناسبة، وقد توسط النهي عن الزنا بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس- لذات الصلة وذات المناسبة.
إن في الزنا قتلا من نواحي شتى، إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها، يتبعه غالبا الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلّق أو بعد أن يتخلّق، قبل مولده، أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة، أو حياة مهينة، فهي حياة مضنية في المجتمع على نحو من الأنحاء .. وهو قتل في صورة أخرى. قتل للجماعة التي يفشو فيها، فتضيع الأنساب وتختلط الدماء، وتذهب الثقة في العرض والولد، وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها، فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات.
وهو قتل للجماعة من جانب آخر، إذ إن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها، والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة، لا تصح فطرتها ولا تسلّم تربيتها إلا فيه.
وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال، منذ التاريخ القديم إلى العصر