١ - من قصة سليمان عليه السلام نعرف كثيرا من خصائص الجن وعالمهم فهم عالم كالإنس، ونراهم في الآية السابقة منضبطين مع بقية جند سليمان. وسنرى فيما بعد أن عفريتا منهم قادر أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين خلال ساعات.
وهذا يعني أنه قادر على الذهاب والإياب مع معالجة العرش وحمله خلال هذه الساعات، وهذا ينقض كلام المتأولة الذين لا يؤمنون بالغيب، فالجن عالم مغيب عنا لا نعرف عنه إلا ما أخبرنا عنه الوحي المعصوم، فالإنكار والتأويل في هذا المقام كفر وضلال.
٢ - لم يذكر لنا في الآية سبب الجمع الذي من أجله حشر لسليمان جنده كله، هل كان ذلك في أول وراثته لملك أبيه، فكان ذلك نوعا من استعراض الملك الجديد لقواته، أو كان ذلك لمناسبة من المناسبات، أو كان ذلك لمجرد تعويد الجند على تنفيذ الأوامر والتدريب على التعبئة؟ والمهم أن الآية تعطينا درسا من دروس الحكم ولا شك أن قصة سليمان كلها دروس في الحكم الإسلامي، كما أن قصة طالوت في سورة البقرة درس من دروس السياسة لهذه الأمة.
٣ - في قوله تعالى: فَهُمْ يُوزَعُونَ نص على الضبط العسكري ونص على وجود النظام في الجند، وفي ذكر كلمة جُنُودُهُ نص على فكرة الطاعة، وهذه المعاني هي أسس حياة الجندية السليمة، طاعة، وانضباط، ونظام دقيق، وفي عصرنا تقوم الجندية على التدريب الدقيق على النظام المنضم من أجل تعويد الجند على الطاعة والانضباط، وهذا كله يمكن أن تكون الآية أصلا فيه، وفي قوله تعالى:
يُوزَعُونَ ما يشير إلى أن هناك من هو مكلف بتأمين الضبط، وهذا يشبه في عصرنا نظام شرطة الجيش، ونظام المراتب في الجيش (ضباط وضباط صف). ومن مثل هذا نفهم أن الله عزّ وجل يعطينا في قصة سليمان دروسا في أصول الحكم الإسلامي كما أنها مثال على أن الحكم الإسلامي يمكن أن يأخذ صورا متعددة، ومثال على أن المرسلين يمكن أن يكونوا ملوكا في منتهى العظمة، كما يمكن أن يكونوا غير ذلك، وإن في عرض هذه الأمور في هذا السياق لآيات تدل على أن هذا القرآن من عند الله، وبهذه المناسبة نقول: إن القصص القرآني يعطينا نماذج تسع الزمان والمكان، وأن الأمثال القرآنية تستوعب كل صور الحياة، ومن خلال القصة والمثل ترى الحياة كلها،