في قوله تعالى في السورة المتقدمة أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ وفيها من تفصيل أحوال المؤمنين، وأحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة، ما هو كالإيضاح لما في تلك السورة من ذلك، وذكر فيها شئ مما يتعلق بالكواكب لم يذكر فيما تقدم، ولمجموع ما ذكر ذكرت بعدها، وفي البحر مناسبة أول هذه السورة لآخر سورة يس أنه تعالى لما ذكر المعاد وقدرته سبحانه على إحياء الموتى، وأنه هو منشئهم، وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء كان، ذكر عزّ وجل هنا وحدانيته سبحانه إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا وإعداما إلا بكون المريد واحدا، كما يشير إليه قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا).
[٢ - ومن تقديم صاحب الظلال لسورة الصافات ما يلي]
(هذه السورة المكية- كسابقتها- قصيرة الفواصل، سريعة الإيقاع، كثيرة المشاهد والمواقف، متنوّعة الصور والظلال، عميقة المؤثرات، وبعضها عنيف الوقع، عنيف التأثير. وهي تستهدف- كسائر السور المكية- بناء العقيدة في النفوس، وتخليصها من شوائب الشرك في كل صوره وأشكاله. ولكنها- بصفة خاصة- تعالج صورة معينة من صور الشرك التي كانت سائدة في البيئة العربية الأولى. وتقف أمام هذه الصورة طويلا؛ وتكشف عن زيفها وبطلانها بوسائل شتى .. تلك هي الصورة التي كانت جاهلية العرب تستسيغها، وهي تزعم أن هناك قرابة بين الله- سبحانه- وبين الجن. وتستطرد في تلك الأسطورة فتزعم أنه من التزواج بين الله- تعالى- والجنة ولدت الملائكة. ثم تزعم أن الملائكة إناث. وأنهن بنات الله!
هذه الأسطورة تتعرض لحملة قوية في هذه السورة؛ تكشف عن تهافتها وسخفها. ونظرا لأنها هي الموضوع البارز الذي تعالجه السورة، فإنها تبدأ بالإشارة إلى طوائف من الملائكة: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِراتِ زَجْراً* فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ..
ويتلوها حديث عن الشياطين المردة، وتعرضهم للرجم بالشهب الثاقبة كيلا يقربوا من الملأ الأعلى. ولا يتسمّعوا لما يدور فيه؛ ولو كانوا حيث تزعم لهم أساطير الجاهلية ما طوردوا هذه المطاردة! كذلك يشبّه ثمار شجرة الزقوم التي يعذب بها الظالمون في جهنم بأنها كرءوس الشياطين في معرض التقبيح والتفظيع! وفي نهاية السورة تأتي الحملة المباشرة على تلك الأسطورة المتهافتة: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ* أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ* أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ* وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ