للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه تحدّد خصائص أهل الإيمان الصادق، وتبشرهم وتبين لهم طريق النجاح في الامتحان. ويؤكّد هذا المعنى أنّ آخر آية في السورة هي:

وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ لاحظ صلتها بالآية الخامسة وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ فالآية الأخيرة تحدّد طريق الهداية، وهي معطوفة على مثيلاتها في السورة، وهي ومثيلاتها تدل على الطريق.

ولنعد الآن إلى التفسير:

بعد أن تحدّثت السورة عن الهجرة، وشجّعت عليها ذكرت الصبر والتوكل، فهما زادا المهاجر الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فالهجرة تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى توكل، ولمّا كان أهم ما يفكّر فيه المهاجر هو الرزق، فقد جاء الكلام عن الرزق في هذا السياق:

...

وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ أي وكم من دابة، والدابة: كل نفس دبت على وجه الأرض، عقلت أو لم تعقل لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أي لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله، أو لا تدّخره، وإنما تصبح فيرزقها الله اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ أي لا يرزق تلك الدوابّ الضعاف إلا الله، ولا يرزقكم أيضا أيها الأقوياء إلا هو، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها، لأنّه لو لم يقدّر كم ولم يقدّر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوال عباده ومنها قولهم نخشى الفقر والعيلة الْعَلِيمُ بما في ضمائركم وحركاتكم وسكناتكم. قال النسفي في سبب نزول الآية: (لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فنزلت) وكلام النسفي هذا يدل على ما ذهبنا إليه من أن ارتباط هذه الآيات بالذي قبلها من حيث صلة موضوع الرزق بموضوع الهجرة.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي سألت هؤلاء المشركين مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على ما هي عليه وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ومن سخّر الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي فكيف يصرفون عن توحيد الله مع إقرارهم بهذا كله. والآية هذه- مع أنها تقيم الحجة على الكافرين الذين يضطهدون المسلمين حتى يضطروهم إلى الهجرة- فهي درس للمسلمين في قضية الرزق والتوكل على الله. فالله الذي خلق

<<  <  ج: ص:  >  >>