سبيل الله .. » وأخرج مسلم والترمذي والإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تحقرن من المعروف شيئا وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق».
[الدرس الثاني]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ أي لا يقتل بعضكم بعضا وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أي لا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه ولا ينفيه جعل غير الرجل بمثابة نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا، وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة، كما قال عليه السلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» ثم قال تعالى:
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به وتعترفون على أنفسكم بلزومه.
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ كانوا في المدينة المنورة فريقان طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج، والطائفة الأخرى النضير وقريظة وهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك، يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنة ولا نارا، ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا، ولا حلالا ولا حراما، يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ويخرجونهم منها. تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ كانوا إذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا الأسارى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة الذي جاء فيها (إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته)، فهم يطبقون التوراة في هذا الجانب ويخالفونها في غيره مما ذكر قبله وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. فالإخراج حرام عليهم وكذلك القتل وكذلك مظاهرة غيرهم على بعضهم.
قال السدي: «أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، والفداء فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء. قال تعالى مؤنبا:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي أتفادونهم بحكم التوراة،