والله أعلم» أقول: لكن نص الإمام مالك في موطئه على أنه لا يسن أن يدمى الطفل من دم العقيقة وعلى هذا فالسنة في يوم التسمية أوسع من أن تقيد باليوم الأول
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ أي: فتقبل الله مريم من أمها، ورضي بها في النذر مكان الذكر، وهذا هو القبول الحسن: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً. أي: جعلها شكلا مليحا، ومنظرا بهيجا، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين. وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا أي: جعله كافلا لها، وضامنا لمصالحها. وإنما قدر الله كون زكريا كافلا لها لتقتبس منه علما جما نافعا، وعملا صالحا. وإنما كان زوج أختها كما ورد في الصحيح «فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة»، وقيل زوج خالتها. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. المحراب هو أشرف المجالس لكونه مخصصا للعبادة، فيه يحارب الشيطان. أي كلما دخل عليها زكريا مكان عبادتها، وكان لا يدخل عليها إلا هو وحده وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً طعاما. كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. قال ابن كثير: وفيه دلالة على كرامات الأولياء وفي السنة لهذا نظائر قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا أي: من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وفى ذلك دليل على أنه خارق للعادة، فهو من باب الكرامات إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ أي لا يحصيه العباد لكثرته، أو تفضلا منه بغير محاسبة ومجازاة على عمل، ويحتمل أن يكون هذا جزءا من كلامها، أو هو كلام مستأنف.
فلما رأى زكريا حال مريم، وكرامتها على الله، ورأى فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع في الولد الصالح، وإن كان في غير أوانه لكبر سنه، ولكون زوجه عاقرا، ولذلك دعا الله تعالى هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ أي: في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب، أو في ذلك الوقت دعا ربه قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أي: ولدا صالحا، والذرية تطلق على المفرد والجمع إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ أي مجيبه.
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ. أي: خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خلوته، ومجلس مناجاته أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وفيه دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات- وفيها إجابة الدعوات- وقضاء الحاجات، قال ابن عطاء: ما فتح الله على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر، وإخلاص الطاعات، ولزوم المحاريب مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ كلمة الله تحتمل هنا عيسى، لأن تكونه كان بكلمة:«كن» بلا أب. وتحتمل