(لا إله إلا الله) نعرف صلة السورة بالآيات الأولى من سورة البقرة، وخاصة في قوله تعالى يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ... يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ولنمض في التفسير ملاحظين أن السياق لا زال يحدّثنا عن مشاهد يوم القيامة:
...
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ أي عذاب النار
وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فليس عقابكم وتعذيبكم ظلما
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فهؤلاء مستثنون من العذاب قال ابن كثير: (أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم، ولا يناقشون في الحساب، بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، إلى ما يشاء الله من التضعيف)
أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ يعني الجنة ثمّ فسّره بقوله:
فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ أي يخدمون ويرفهون وينعمون
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي وهم منعّمون في جنات النعيم، فهم في الجنة مكرمون مرزوقون قال النّسفي: (فسّر الرزق المعلوم بالفواكه وهي كل ما يتلذذ به، ولا يتقوّت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه، لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات، لأن أجسادهم محكمة مخلوقة للأبد، فما يأكلونه للتلذذ، ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر، وقيل معلوم الوقت كقوله: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:
٦٢] والنفس إليه أسكن)
عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال مجاهد: (أي) لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض وقال النسفي: التقابل أتم للسرور والأنس
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أي من شراب معين، أو من نهر معين: وهو الجاري على وجه الأرض، الظاهر للعيون، وصف بما وصف به الماء لأنه يجري في الجنة كما يجري الماء كما سنرى في سورة محمد صلّى الله عليه وسلم والكأس: هي الزّجاجة إذا كان فيها الخمر، وتسمّى الخمر نفسها كأسا قال ابن كثير: (أي بخمر من أنهار جارية لا يخافون انقطاعها ولا فراغها)
بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ أي لونها مشرق حسن بهي، لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الردئ، من حمرة أو سواد، أو اصفرار، أو كدورة، إلى غير ذلك مما ينفّر الطبع السليم، ووصفت بأنّها لذة للشاربين بمعنى: أنها ذات لذّة، أو أنها اللذة عينها قال ابن كثير: (أي طعمها طيّب كلونها، وطيب الطعام دليل على طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا في ذلك كله)
لا فِيها غَوْلٌ أي لا تغتال عقولهم كخمر الدنيا