للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعقيبا على هذا كله يوجه الله رسوله ويعلمه أن الأمر كله لله، الملك ملكه، والأمر أمره، والتدبير تدبيره، وليس لأحد معه ملك أو أمر أو تدبير. يعذب من شاء، وينصر من شاء، ويغفر لمن شاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء ورحمته وسعت كل شئ.

[المعنى الحرفي]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ بطانة الرجل هم خاصته وأصفياؤه الذين يطلعهم على أدخل أمره. وقوله مِنْ دُونِكُمْ دخل فيه عامة أهل الأديان، وأهل الإلحاد، وأهل النفاق. وكل من دخل في قول من أقوال رسول الله عليه السلام «ليس منا». فصار المعنى: لا تتخذوا خواص لكم، وأصفياء، تطلعونهم على أسراركم، ومخططاتكم من دون أبناء دينكم، وهم المسلمون الصادقون. ودخل في هذا النهي أن نجعل أمثال هؤلاء مستشارين لنا، وأمناء سر.

ومخالطين لنا، وأصحاب عشرة. ثم وصف من دوننا بالنسبة لنا لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا الخبال: الفساد، أي: لا يقصرون في فساد دينكم، ولا يقصرون في إفساد أمركم. فهم يسعون في مخالفتنا، وما يضرنا بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة. وَدُّوا ما عَنِتُّمْ أي ودوا عنتكم والعنت: شدة الضرر، والمشقة، والحرج، أي: يودون ويرغبون بما يشق عليكم، ويحرجكم. فهؤلاء لا يتمنون إلا أن يضروكم في دينكم ودنياكم، أشد الضرر وأبلغه، ومن كانت هذه خبيئة نفسه فكيف تتخذه خاصة لك، وبطانة، وملازما، ومستشارا، ومستنصحا! قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي: إنهم مع ضبطهم أنفسهم ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين، فإن بعض كلامهم يدل على بغضائهم. وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ من البغض لكم أَكْبَرُ مما بدا. لقد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا ذيلت الآية بقوله تعالى:

قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي: قد وضحنا لكم الآيات الدالة على وجوب الإخلاص في الدين، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، وعدم اتخاذهم بطانة؛ من أجل أن تعقلوا هذه الآيات فتفهموا، وتعملوا.

ها أَنْتُمْ أُولاءِ المتصفون بما يأتي مما يدل على خطئكم في واقع الأمر تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>