للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كلمة في السياق]

نلاحظ أنه ورد أولا قوله تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ثم ورد قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ وفي الوسط جاء قوله تعالى: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ* وَأَنْذِرْ ..

وَاخْفِضْ .. وَتَوَكَّلْ .. فكأن الله عزّ وجل جعل في الوسط هذه الآيات ليبين أن كتابا يأمر هذه الأوامر، ورسولا يتلقى هذه الأوامر، لا يمكن أن يكون ذلك أثرا عن عالم الشياطين الكاذبين الآثمين، الذين يأتون أمثالهم من الكاذبين الآثمين، ليسيروهم في طريق الكذب والإثم. وقد لاحظ النسفي أن السياق يصب كله في معنى واحد هو التنزيل وعلل لذكر معان أخرى فيما بين ذلك بقوله: (وإنما فرق بين) وإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وهَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ وهن أخوات لأنه إذا فرق بينهن بآيات ليست منهن ثم رجع إليهن مرة بعد مرة دل ذلك على شدة العناية بهن، كما إذا حدثت حديثا وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره، ولا تنفك عن الرجوع إليه).

فكأن النسفي لاحظ أن المعنى الرئيسي في الخاتمة إنما هو إثبات التنزيل، وأنه من عند الله رب العالمين، فإذا اتضح هذا عرفنا حكمة ختم السورة بالكلام عن الشعراء، فلنر ذلك ثم نعلق عليه.

وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أي السفهاء الضلال. ومحمد صلى الله عليه وسلم يتبعه المهتدون ومن ثم فليس شاعرا.

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ أي أن الشعراء فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ أي في كل لغو يخوضون، وفي كل فن من الكلام يتكلمون كذبا أو باطلا أو غير ذلك، بينما هذا القرآن يمشي على سنن واحدة، وطريقة واحدة، ونسق واحد، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، لا بأخلاقه، ولا بسلوكه، ولا بكلامه،

فكيف يسمى القرآن شعرا ومحمد شاعرا وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ومحمد صلى الله عليه وسلم بشهادة الجميع لا يقول إلا ما يفعل. وقد ذكرنا في كتابنا (الرسول) شهادات الجميع على ذلك، ومن ثم- ولهذه الأشياء جميعا- فإن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، ولا يمكن أن يكون القرآن شعرا. فسياق الآيات إذن للتدليل على أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، وعلى أن القرآن ليس شعرا، بل هو تنزيل رب العالمين. وإذ كان السياق لتأكيد هذا المعنى فقط،

<<  <  ج: ص:  >  >>