جاءت هذه الآية في هذا السياق، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كما وصفته الآية وقد اتخذ قراره بعد مشاورة، ثم أقدم متوكلا على الله، فكيف يحق لمسلم أن يتحسر على نتيجة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصف الله- عزّ وجل-، وقد شاورهم يوم أحد، ونزل على رأي أكثريتهم، ثم أمضى الشورى وكان ما كان، فلا مجال بعد ذلك لحسرة على شهيد، وإنما هي أثر عن تصور كفري للموت والحياة. وإذ يكون وراثه من بعده على قدمه، فأي قرار اتخذوه بعد الشورى ونفذ، فإنه لا ينبغي أن يكون تحسر على ما يكون من بعد، بل تسليم لله، فهو الولي في الأمر كله.
وبعد الأمر بالشورى، وبعد الأمر بعدم الحسرة على ما يكون من نتائج تأتي آية تقرر قاعدة، وتأمر أمرا. أما القاعدة فهي قوله تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ أي: فلا أحد يغلبكم، ولو تواطأ العالم عليكم وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ أي: يحجب عنكم نصره فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد خذلانه أي من بعد ترك معونته.
وأما الأمر فهو قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي: وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض؛ لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانهم يقتضي ذلك.
القاعدة دلت على أن الأمر كله لله، والأمر بني على ما تقتضيه القاعدة، ومجئ هذه الآية بعد الآية السابقة أن النصر والخذلان من عند الله، ومجئ هذه الآية في سياق المقطع يشير إلى أن المسلم عليه أن يعرف أن نتائج الأعمال بيد الله، فمهما كان من أمر فالأمر أمره، وعليه فينبغي أن يتصف بالتوكل في كل حال، حال النصر أو الخذلان، حال القتل، أو حال السلامة،
ثم يعود السياق بعد هذه الآية إلى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنزيهه عن الخيانة بعد أن وصفه في ما قبل الآية السابقة بما وصفه به. فقال:
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ الغلول: هو الأخذ خفية، والمعنى أن النبوة تنافي الغلول، والغلول خيانة، وكذلك فسرها ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغير واحد، فقالوا في تفسيرها: ما ينبغي لنبي أن يخون، قال ابن كثير: وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه، من جميع وجوه الخيانة، في أداء الأمانة، وتقسيم الغنيمة، وغير ذلك.
وقال محمد بن إسحاق في تفسيره:«بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغ أمته»، والنبي معصوم عن ذلك كله.