للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختلفون حول الحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر. وقد لا يفصل بينهم فيما يختلفون فيه في هذه الأرض لأن إرادة الله شاءت أن يمتد ببعضهم الأجل، وألا يحل بهم عذابه الفاصل في هذه الديار، حتى يتم الجزاء في الآخرة ويبلغ كل أمر تمامه هناك.

والسياق يرد على تلك المقولة الكافرة، ويكشف ما يحيط بها في نفوس القوم من شبهات فيبدأ بالتقرير: بَلى. وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ومتى وعد الله فقد كان ما وعد به لا يتخلف بحال من الأحوال وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ حقيقة وعد الله.

وللأمر حكمته: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ فيما ادعوا أنهم على الهدى؛ وفيما زعموا من كذب الرسل، ومن نفي الآخرة؛ وفيما كانوا فيه من اعتقاد ومن فساد.

والأمر بعد ذلك هيّن إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ والبعث شئ من هذه الأشياء يتم حالما تتوجه إليه الإرادة دون إبطاء).

[التفسير]

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ قال النسفي: معطوف على وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من كون هذه بداية مجموعة وتلك بداية مجموعة والمعنى: أنهم حلفوا فأقسموا بالله جهد أيمانهم، أي اجتهدوا في الحلف وغلّظوا الأيمان على أنه لا يبعث الله من يموت، فقد استبعدوا ذلك، وكذّبوا الرسل في إخبارهم لهم بذلك، وحلفوا على نقيضه، فقال تعالى مكذبا لهم ورادا عليهم بَلى أي بلى سيكون ذلك وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا أي لا بد منه لأنه لا يخلف الميعاد وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنهم يبعثون أو يجهلون، فلجهلهم يخالفون الرسل، ويعتون في الكفر،

ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ أي للمكلفين الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ من كل شئ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ في أيمانهم وأقسامهم ومواقفهم، هذه هي الحكمة الأولى للبعث التي يسجلها الرد الأول على المنكرين،

ثم يقول تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ هذا إخبار منه تعالى عن قدرته على ما يشاء وأنه لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء وإنما قوله تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون، إنّه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد

<<  <  ج: ص:  >  >>