الذين اجتمع لهم الفكر والذكر. وأنهم يعطون الله- كأثر عن فكرهم وذكرهم- ما يليق بجلاله، فيدعون الله بمجموعة دعوات تجمع قضايا الإيمان والخير كلها. ثم بين الله- عزّ وجل- أنه استجاب لهم دعواتهم بسبب ما قدموه من عمل، وهجرة، وصبر، وقتال، مما يدل على أن من هذه أخلاقهم هم أولو الألباب، وهم وحدهم الذين يتذكرون، وأن جزاءهم جنات الله بما فيها. ثم صدر النهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينظر نظر إكبار إلى ما فيه الكافرون من نعمة، وغبطة وسرور، فالدنيا كلها لا تساوي شيئا بجانب الآخرة، وأن ما هم فيه أمام ما أعد الله لهم من عذاب جهنم لا يساوي شيئا. ثم أعاد الله البشارة بالجنات لأهل التقوى بعد النهي عن الاغترار بتقلب الذين كفروا في البلاد.
ثم بين الله- عزّ وجل- أن هناك طائفة من أهل الكتاب يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة، وأنهم مطيعون لله، خاضعون، متذللون بين يديه، لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، أي:
لا يكتمون ما بأيديهم من بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذكر صفته، ونعته، ومبعثه، وصفة أمته، هؤلاء أجرهم محفوظ عند الله، ثم ختمت السورة بنداء لأهل الإيمان بالصبر، والمصابرة، والمرابطة، والتقوى؛ من أجل فلاحهم. فدل ذلك على أنه ليكون الإنسان من المفلحين، لا بد له من اجتماع هذه الأربعة.
[المعنى الحرفي للمقطع]
إذ أعطانا الله صورة ناس فيما مر، لا يقومون بحق الله في كتابه، فإنه الآن يعطينا صورة من يقوم بحق كتابه من خلال مجموعة آيات تصف أولي الألباب الذين هم وحدهم- كما نصت سورة آل عمران في أولها- الذين يتذكرون إذا ذكروا. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ. وهذه الآيات- إلى نهاية السورة- لها شأن خاص، وقد وردت فيها آثار خاصة كما سنرى. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. أي: في حدوثهما وتقديرهما وما في خلقهما من الحكمة. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي:
تعاقبهما، وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا، فيطول الذي كان قصيرا، ويقصر الذي كان طويلا. لَآياتٍ أي: لأدلة واضحة على صانع حكيم قادر حي لِأُولِي الْأَلْبابِ أي: لأصحاب العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها. وفي كتابنا «الله جل