المقسم به في الأشياء المذكورة سابقا قَسَمٌ أي: مقسم به لِذِي حِجْرٍ أي:
لذي عقل. قال ابن كثير: وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي مالا يليق به من الأفعال والأقوال .. ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة، أو بنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها إليه عباده المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه الخاشعون لوجهه الكريم. وقال النسفي في قوله تعالى:
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (أي: هل تحقق عنده أن تعظيم هذه الأشياء بالإقسام بها، أو هل في إقسامي بها إقسام لذي حجر، أي: هل هو قسم عظيم يؤكد بمثله المقسم عليه، أو هل في القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لذي عقل ولب، والمقسم عليه محذوف وهو قوله: ليعذبن، يدل عليه قوله: أَلَمْ تَرَ إلى قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ).
[كلمة في السياق]
١ - رأينا في هذه الآيات أقساما وتعظيما لهذه الأقسام، ولا نرى جوابا، ورأينا أن النسفي قدر الجواب أخذا من الآيات التالية ففهم أن الجواب (لتعذبن) ورأينا من كلام ابن كثير أنه لا يقدر جوابا، وإنما يعتبر أن مجرد عرض الأقسام، وتعظيم ما يكون فيها، هو المراد، ومن ثم فإن ذكر هذه الأقسام، وتعظيم مضمونها، هو الذي يريد أن يؤديه السياق لنا، والذي أراه أن جواب القسم يفهم من الآيات التالية من قوله تعالى:
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ والذي يدلنا على ذلك أن الفقرة الثانية تبدأ بقوله تعالى:
فَأَمَّا الْإِنْسانُ .. مما يشير إلى أن السياق في الفقرة الأولى كان يصب في التعريف على الله عز وجل، وجلاله وعلى هذا يمكن أن نقدر الجواب: إن ربك لمحاسب ومعاقب.
٢ - في ذكر مواسم العبادة، وبعض أوقاتها، وفي جواب القسم المقدر، ذكر لبعض جوانب الغيب الذي يجب الإيمان به، ولذلك صلته بقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة. الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وهذا أول مظهر من مظاهر صلة السورة بمقدمة سورة البقرة، فلنر المجموعة الثانية في الفقرة الأولى.