جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً أي فاحشة إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أي يحبس أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي يضرب ضربا شديدا موجعا، ولم تصرح بذكر يوسف وأنه أراد بها سوءا لأنها قصدت العموم أي كل من أراد بأهلك سوءا فحقه أن يسجن أو يعذب، لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف. فلما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه، ولم يعد مجال للستر عليها وعدم فضيحتها انتصر يوسف عليه السلام لنفسه بالحق، وتبرأ مما رمته به من الخيانة
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وفي كونه من أهلها تكون شهادته أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وكانت شهادته إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أي من قدامه فَصَدَقَتْ أي في قولها إنه راودها على نفسها لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره، فقدت قميصه، فيصح ما قالت وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ
وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أي من ورائه فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ وذلك يكون كما وقع لما هرب منها وتطلبه أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها، فقدت قميصه من ورائه
فَلَمَّا رَأى زوجها قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ علم براءة يوسف وصدقه وكذبها قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ أي إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت به عرض هذا الشاب من جملة كيدكن. وقد وجه الخطاب لها ولعامة جنسها إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ لأنهن ألطف كيدا، وأعظم حيلة، وبذلك يغلبن الرجال.
ثم قال آمرا ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي اضرب عن هذا صفحا، أي فلا تذكره لأحد وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ أي من جملة القوم المتعمدين للذنب. ويبدو أنه كان لينا سهلا لدرجة أنه لم تثر غيرته، أو أنه عذرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه، ولم يحدث شئ، ولا نتوقع ممن يعيشون في الترف ولا دين لهم حاجزا إلا مثل هذه المواقف، بل أسوأ منها من الدياثة والقيادة. وما يجري في عصرنا لا يحتاج معه هذا الكلام إلى دليل
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ أي وقالت جماعة من النساء في المدينة التي وقعت فيها الحادثة امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ أي تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه إلى نفسها، لتنال شهوتها منه قَدْ شَغَفَها حُبًّا أي قد شغفها حبه يعني خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي في خطأ واضح وبعد عن طريق الصواب، أي في صنيعها هذا من حبها فتاها، ومراودتها إياه عن نفسه، وهكذا شاع الخبر وانتشر وذلك دأب ما يجرى في القصور والصالونات- عند ما لا يوجد تدين عندهم- أن رائحة الفضائح لا تزال عابقة فيها