الْأَرْضِ أي جعلنا له فيها مكانة واعتلاء، قال ابن كثير:(أي أعطيناه ملكا عظيما ممكّنا فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين، والجنود وآلات الحرب والحصارات.
ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك البلاد، وخدمته الأمم من العرب والعجم). وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أراده من الأغراض والمقاصد سَبَباً أي طريقا موصلا إليه، إذ السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة، آتاه الله علم كل ما يلزمه مما يحتاجه الفتح، وتقتضيه السياسة، وغير ذلك، كما آتاه الوسائل. قال ابن كثير: يسّر الله له الأسباب أي الطرق، والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي، وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك، قد أوتي من كل شئ مما يحتاج إليه سببا
فَأَتْبَعَ سَبَباً أي لحق سببا، أي سار في عالم الأسباب، وكأن في هذا إشارة إلى أن تمكينه وأفعاله كلها في عالم الأسباب، وليست من باب الخوارق
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اتبع الأسباب التي توصله إلى المغرب، واتباعه الأسباب للوصول إلى المغرب، باتباعه منازل الأرض ومعالمها، واستقصائه المعلومات اللازمة لذلك قال ابن كثير: فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب.
قال النسفي: أي منتهى العمارة نحو المغرب» حيث ترى الشمس هناك ساعة الغروب وكأنها تغرب في عين حمئة. وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قال ابن كثير: أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه .... والحمئة: مشتقة .... من الحمأة وهو الطين. أقول: فالآية تتحدث عن ما تشاهده العين، إذ ترى الشمس وهي تغرب من جهة البحر، فهو تصوير لرؤية ومشاهدة. ومن رأى الشمس وهي تغرب في المحيط الأطلسي، رأى دقة الوصف، هذا على القول أنه وصل إلى شاطئ المحيط. ويكون ذكر العين الحمئة تشبيها للبحر في لحظة غروب الشمس بالعين الطينية المائلة إلى السواد، وهناك احتمال أن يكون وصل إلى أرض مستنقعية واسعة جدا كانت موجودة في يوم من الأيام جهة المغرب.
وقد وصل إليها، ويحتمل أنه وصل إلى أرض بركانية كانت في أقصى المغرب، وكانت لا زالت تقذف بحممها عند وصوله، والجزم بشيء من ذلك صعب، ولنا عودة في الفوائد على الموضوع، والعبرة حاصلة على أي نوع من أنواع الفهم. إذ الوصول إلى جهة المغرب لم يكن إلا بعالم الأسباب كنموذج على عطاء الله من شاء من أمر الدنيا بغير حساب وَوَجَدَ عِنْدَها أي عند العين الحمئة، أو عند مغرب