به، وكل ذلك من بنات أفكارهم، وقد جاءت الآيتان تصحح ذلك كله، ومن ثم فهي تعرف على الله في سياق أمر الله للناس بالعبادة، ومن هاهنا ندرك صلة الآيتين ببداية المقطع، وهذا شئ سنراه كثيرا من كون بداية المقطع لها صلة بكل آيات المقطع.
٤ - جاءت هاتان الآيتان بعد الآية التي أمر الله عزّ وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات فكان في هاتين الآيتين الإنذار المقابل للتبشير وذلك لمن ضل عن طريق الله عزّ وجل، وهكذا نجد كيف أن الآيتين مرتبطتان بما قبلهما مباشرة ومرتبطتان بمقدمة السورة بأقوى رباط.
والآن لننتقل إلى الفقرة الثالثة في المقطع الأول من القسم الأول من أقسام سورة البقرة.
[الفقرة الثالثة]
المعنى الحرفي: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ؟ الاستفهام بكيف هنا يفيد الإنكار والتعجب فكأنه قال: أتكفرون بالله وفيكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان، والأموات: جمع ميت كالأقوال جمع قول وهو عادم الحياة أصلا، وذلك حال كون الإنسان ترابا إذ النطفة من الغذاء، والغذاء من التراب، والحياة الأولى هي حال كون الإنسان في الرحم فما بعد ذلك حتى يموت. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث؛ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي تصيرون إلى الجزاء، أو التقدير: ثم يحييكم في قبوركم ثم إليه ترجعون للنشور. وإنما أنكر اجتماع الكفر مع ما ذكر، لأن ما ذكر يقتضي شكرا وخشية، لا كفرا وإدبارا وغفلة.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أي لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم، أما في دنياكم فظاهر إذ ما من شئ إلا وهو لصالح الإنسان بشكل من الأشكال، وأما في دينكم فلما يؤدي النظر في ذلك إلى معرفة بالله وتذكر للآخرة، فملاذ الدنيا تذكر بثواب الآخرة، ومكارهها تذكر بمكارهها ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي أقبل وعمد إلى خلق السموات بعد ما خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شئ آخر والمراد بالسماء جهات العلو كأنه قيل ثم استوى إلى فوق فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ معنى تسويتهن: تعديل خلقهن وتقويمه وإخلاؤه من العوج والفطور أو إتمام خلقهن، ومن فعل هذا كله كان علمه محيطا فليتق الإنسان الله الذي يعلم كل شئ فيعلم تقلبه في كل حال وسره وعلانيته.