لو أحب هداية إنسان فلا يترتب على ذلك هدايته إلا إذا شاء الله ذلك ثم إن صلة هذه الآية في المحور كذلك واضحة: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ فمع أنه من المرسلين فمهمته التبليغ أما الهداية فهي لله وحده:
وبعد إذ يتقرر أمر الهداية كما رأينا، يعرض السياق أبرع حجج الكفر قديما وحديثا، في الصرف عن الإسلام ويناقشها ويردها مرة بعد مرة فلنر التفسير:
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة فأنت لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه قومك أو غيرهم وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي يخلق فعل الاهتداء في من يشاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية، أو وهو أعلم بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات:
...
[فائدة]
قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب. وقال ابن كثير في الآية (وفي الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في صفه ويحبه حبا شديدا طبعيا لا شرعيا فلما حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فسبق القدر فيه واختطف من يده، فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة. قال الزهري ... عن المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان له بتلك المقالة، حتى كان آخر ما قاله:
هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى وأنزل في أبي طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أخرجاه من حديث الزهري، وهكذا رواه مسلم في صحيحه والترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: لما