اليوم التالي لأحد، إذ استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاق العدو فنفروا على ما بهم من جراح وضعف، مستجيبين لله ورسوله، إذ بلغهم جمع المشركين لهم، بغية أن يستأصلوهم، فلم يكن منهم إلا أن قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فأكرمهم الله بأن كف أيدي الناس عنهم. ثم بين الله- عزّ وجل- أن الشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه، بأن يوهمهم بأسهم، وحذرنا الله أن نطيع الشيطان، وأمرنا أن نخافه وحده، ثم نهى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحزن على من يسارع في الكفر؛ محقرا له كيدهم، مبينا أنهم هم الخاسرون، ثم ختم هذه الفقرة بتبيان أن الذين يبيعون الإيمان بالكفر لا يضرون الله بل يضرون أنفسهم باستحقاقهم عذاب الله.
أعطتنا هذه الفقرة التصور الصحيح عن وضع الشهداء، وبينت لنا خلقا من أخلاق الإيمان، من حيث متابعة أهله للجهاد في كل الظروف، ومن حيث استعصاء أهله على الحرب النفسية، ثم بينت لنا قاعدة: وهي أن الشيطان يحاول تخويفنا من أعداء الله، وحذرتنا من الوقوع في شباكه، ثم جاء نهي، وقاعدة لها علاقة بالمنافقين والمرتدين.
[كلمة حول السياق]
يلاحظ أن في هذه الفقرة نهيين موجهين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهما للأمة كلها. النهي الأول: نهي عن تصور أن الشهداء أموات، والنهي الثاني: نهي عن الحزن على من كفر بعد إيمان، والصلة بين هذا وبداية المقطع السابق عليه واضحة، إذ في بداية المقطع السابق نهي عن أن نكون كالذين كفروا في تصوراتهم حول موضوع الموت والقتل، وهو موضوع يكفر بسببه من يكفر بعد إيمان، ومن ثم كان النهي الأخير له علاقة بهذا الموضوع. والفقرة كما هي مرتبطة بقسمها في سياقه الخاص، فهي مرتبطة بالسياق القرآني العام إذ هي توضيح لقضايا إيمانية وكفرية ونفاقية، وهو السياق العام لسورة آل عمران المرتبطة بمقدمة سورة البقرة وامتداداتها.
[المعنى الحرفي]
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً الخطاب مباشرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطاب لكل أحد بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. أي: بل هم أحياء عند ربهم، مقربون عنده، ذوو زلفى، يرزقون مثل ما يرزق سائر الأحياء، يأكلون ويشربون. وذكر الرزق بعد ذكر الحياة تأكيد لكونهم أحياء، ووصف لحالهم التي هم